لا أحد يختلف مع فكرة الترشيد او وقف الهدر بالمفهوم الصحيح – وهو تخفيض المصروفات «غير الضرورية» للوزارات والمؤسسات الحكومية المشمولة بالميزانية العامة.
فبعد إعلان الحكومة جديتها بفرض الترشيد على الوزارات، ومحاسبة الوزراء الذين لا يطبقون السياسة الجديدة، سيتنافس الوزراء على تخفيض مصروفات وزاراتهم، بعض المخصصات المالية ستخفض وبعضها سيلغى، ولن يجد الوزراء صعوبة في تطبيق السياسة الجديدة.
ولكن السؤال المهم – ما المخصصات التي ستلغى او ستخفض ومدى تأثيرها على احتياجات المواطنين او حتى ما تأثيرها على سياسات التنمية؟!
من المؤكد أن البداية غير موفقه لسياسة الترشيد الحكومية، فبعد قرار وقف الابتعاث للدراسات العليا، يأتي قرار تخفيض مخصصات العلاج بالخارج وتقليص أعداد المستفيدين منه، والذي يعد جريمة بحق المواطنين المرضى وعقوبة حكومية قاسية لا تستحقها تلك «الفئة» التي تعاني من تردي الخدمات الحكومية الصحية او ازدحامها.
لابد ان تبتعد سياسة الترشيد عن «الصحة والتعليم»، فلا ترشيد في هذه القطاعات، فالأموال التي تصرف على الخدمات التعليمية والصحية ومهما كان حجمها – فهي مبررة – لأن التعليم والصحة من الضروريات القصوى للمجتمع وليس من الكماليات، وإلا تحول المجتمع الكويتي إلى مجتمع مريض وجاهل، ولأصبح الترشيد اكثر خطورة على المجتمع من آفة التدخين، فالتدخين ضار بالصحة أما الترشيد فهو ضار بالصحة والتعليم معا!
نتمنى على الحكومة ان تلتفت إلى أماكن الهدر الأخرى في الميزانية، كبعض الامتيازات المالية الإضافية لبعض الموظفين، وبعض العقود غير المهمة مع الشركات والمبالغ أحيانا في تكلفتها، وتأجيل بعض المشاريع الحكومية غير الضرورية.
ختاما: الترشيد يختلف عن سياسة «تنويع مصادر الدخل» كفرض الضرائب أو الرسوم أو زيادتها، ويبدو أن السياسة الحكومية تخلط بين المفهومين عمدا، وأخشى أيضا عند تطبيق سياسة تنويع مصادر الدخل أن تبدأ بفرض الرسوم على فئة «محدودي الدخل» بحجة المساواة بين الجميع.
خلاصة: تواجه الإدارة الحكومية تحدي العجز المالي، فهل يتحول إلى عجز إداري أو يحفز على الإبداع الإداري؟! فالميزانية الفائضة تغطي عيوب الإدارة، والعجز المالي يحث على إظهار القدرات الإدارية، (فالإدارة الجيدة هي التي تحاول تحقيق الأهداف بأسرع الطرق وأقل تكلفة).
بمعنى – أن الوزراء سينجحون بتوفير أموال وزاراتهم ولكن النجاح الحقيقي ان يحافظوا على استمرار وزاراتهم ومؤسساتهم في تقديم الخدمات للمواطنين دون تقليص أو إلغاء لبعضها.
شكر خاص: بمناسبة الحديث عن العلاج بالخارج لابد ان نستذكر الجهود الحثيثة للدكتور مبارك القبندي في تحديث إدارة العلاج بالخارج التي كانت تعاني من سوء الإدارة وتراكم للمعاملات وضياعها، ونتمنى منه الاستمرار في التطوير ونتوقع منه المزيد من النجاح.