بمجرد انخفاض أسعار النفط وما ترتب عليه من نتائج حتمية في عجز الموازنة المتضخمة أساسا بسبب الرواتب والكوادر والهبات والهدر والاختلاسات، أقول إنه بمجرد هذا العجز بدأ التلويح الحكومي بخفض الدعومات المتنوعة من كهرباء وبنزين، وتخفيض مخصصات العلاج بالخارج، وبعض التقليصات في هذه الوزارة وتلك.
هذا التلويح بالمساس بجيب المواطن هو أمر طبيعي جدا في ظل سنوات طويلة من الثروة لم تستثمر في شيء سوى تسديد الفواتير، إن كانت على شكل رواتب أو اختلاسات أو هدر غير مبرر، وكأن الكويت رجل ربح باليانصيب قبل 60 سنة عمارة سكنية مطلة على البحر تدرّ عليه عائدا شهريا عاليا، فأخذ يصرف هذا العائد على الترفيه والتسلية وتوزيع العوائد على بعض رفاقه دون أن يرمم هذه العمارة أو يستفيد من عوائدها لشراء عمارة أخرى، فتم تشييد عمارة جديدة ألغت إطلالته البحرية، وخسفت بعوائده المادية، فبات يسعى إلى تعويض هذا الانهيار بعائده المادي من خلال تحصيل الرسوم على المستأجرين مقابل موقف السيارات والمصعد وغيرها من كماليات عمارته.
عموما لسنا بصدد نقاش سنوات الضياع الكويتية، بل موضوعي اليوم يتعلق بتعاطي الناس مع تلويح الحكومة بخفض الدعومات المختلفة، فقد أصبح المواطن الكويتي بعد التلويح وأكرر التلويح فقط، أصبح يراقب كل فلس يصرف من الدولة، فتارة نجده يبحث في الجريدة الرسمية “الكويت اليوم” عن مناقصات ومصاريف الدولة لينشرها على الملأ، وتارة أخرى يراقب وليمة أقامها وزير الداخلية، وثالثة تراقب زينة الشوارع احتفالا بالأعياد وغيرها من مصاريف حكومية معتادة، لقد أصبح المواطن الكويتي يراقب بشكل أكبر المصروفات الحكومية، بل يقود الحكومة للتراجع أحيانا بمجرد ما تمّ التلويح بمساس أمواله، وهو أمر لم يعتد عليه من قبل، بمعنى أنه أصبح أكثر إيجابية من ذي قبل لأنه أحس بالخطر المادي الذي سيلقى على عاتقه.
كررتها في وقت الرخاء، وأعيدها في وقت الشدة “أداء الضرائب والتكاليف العامة واجب” نص دستوري وضع قبل 50 عاما، ولم يطبق منه سوى جزئية التكاليف العامة بتجاهل تام للضرائب، وأنا أقول اليوم نعم لفرض ضريبة دخل ثابتة على كل المواطنين، والابتعاد عن أي تخفيض للدعومات العشوائية التي لا تعلم الحكومة إلى الآن شكلها، حيث سينتج عن هذه الضريبة فوائد عدة:
أولها وأهمها رقابة شعبية أكبر على ما يصرف من الحكومة بحكم أن جزءاً مما ستصرفه الحكومة يعتبر جزءا من دخل المواطن، والمواطن عندما تم التلويح أصبح رقيبا جيدا على المصاريف، فما بالكم إن تم تحصيل الأموال منه فعلا.
ثاني الإيجابيات هو أن يكون للهيئة الضريبية المستقلة حق الاطلاع على مصادر دخل المواطن، وبالتالي سهولة اكتشاف أي تضخم غير طبيعي فيها.
ثالثا اختيار أفضل من المواطن لممثليه ونوابه بحكم أنه لن يرضى بأن يتم استغلال أمواله الخاصة باتجاه حكومي خاطئ دون محاسبة.
رابعا إن افترضنا أن الضريبة تكون 2% من الدخل الشهري للمواطن (20 دينارا فقط عن كل ألف دينار)، فسيتم تحصيل ما لا يقل عن مليار دينار سنويا للدولة من الضرائب، علما أن في الكويت 125 ألف مليونير حسب تقرير الثروة العالمية في 2014.
خارج نطاق التغطية:
الحكومة عاجزة عن إيقاف وساطات العلاج بالخارج، فتلجأ إلى تخفيض مخصصات المرضى بالخارج كي تصبح الوساطة أمراً غير مغر لسياح العلاج بالخارج، وسيدفع الثمن المرضى الفعليون، هكذا تعالج حكومتنا اختلالاتها.