اعتبرني أحدهم، في مقال له، جاهلاً في الدين، ولست بناكر ذلك، وبالتالي من حقي أن أصفه بالجاهل بالتاريخ وبحقوق الإنسان، وبأن من أصول دينه عدم الاتهام من دون دليل.
أولاً، الإلحاد لم يبدأ مع السوفيت، لينتهي بهم، يا مدعي المعرفة، فتاريخه هو بقدم الأديان نفسها. كما أن اتهام الناس بالكفر والإلحاد والهرطقة ليس أمراً جديداً، فقد كان سلاح العاجز طوال التاريخ، واستخدمه الطغاة والجهلة والسراق للتخلّص من خصومهم. فليس هناك أسهل من أن نتهم شخصاً ما بالكفر، لتقوم الغوغاء بالتخلص منه، لنكتشف تالياً أنه كان أفضل وأشرف من خصومه، ومن شاركوا في صلبه!
كانت هابيتا الإسكندرانية (540م) ربما أول فيلسوفة في التاريخ، وأول ضحية للتطرف الديني. كان لها باع في الرياضيات، وناقشت في محافل الإسكندرية حقوق المرأة، وقالت إن رجال الدين يفسرون الكتاب المقدس لمصلحة الرجال، فحرض رجال الدين الرعاع ضدها، فقُتلت. وقال المؤرخ ترتليان إن أفكارها الفلسفية لن تموت بموتها.
أما العالم البولندي كوبرنيكوس (1473 – 1543) فقد اهتم منذ صغره بالفلك، وتابع حركة الكواكب والنجوم، واستنتج من مراقبتها أن الأرض ليست مركز الكون، إنما هي جرم فضائي يدور حول الشمس. انتبه رجال الدين وآخرون، من أمثال صاحبنا الجاهل، لخطورة أقواله، فحاربته الكنيسة، واتُّهم بالكفر، وأُحرقت كتبه وأبحاثه ومُنع من التدريس، ولم يكتشفوا صحة ما وصل إليه إلا بعد وفاته بسنوات.
أما جاليليو، الذي أثبت أن كوبرنيكس كان على حق، وأن الشمس هي مركز الكون، وأن القمر ليس جسماً مستوياً، فقد أمر البابا بالحكم عليه بالسجن في بيته، إلى أن مات وحيداً.
وكذلك أعدمت الكنيسة العالم الإيطالي برونو حرقاً، لدفاعه عن تحرُّك الأرض.
ومعروف موقف محاكم التفتيش، بعد سقوط الأندلس، من العلماء واضطهادهم وما أصدرته من قرارات تُحرّ.م قراءة كتب جيوردا نويرنو، ونيوتن لقوله بقانون الجاذبية، وأمرت بحرق كتبهم. كل هذا الاضطهاد للعلم والعلماء رسَّخ في أذهان فلاسفة كبار أن سلطان المؤسسة الدينية هو الذي يقف عائقاً أمام أي تقدم علمي أو إنساني، وكانت تلك بداية فصل الدين عن الدولة.
حدث ذلك، والكثير جداً غيره، في أوروبا النصرانية، وحالنا في الشرق لم يكن أفضل، فاسحق الكندي (805 – 873)، الفيلسوف وعالم الطبيعيات والموسيقى، والذي نادى بأن «العقل جوهر التقرُّب إلى الله»، عارضه رجال الدين وقالوا بكفره، فأحرقوا كتبه، ومات مهموماً منبوذاً.
أما بكر الرازي (864 – 923)، وهو أحد كبار علماء المسلمين، والذي اعتبرته أوروبا واحداً من 15 عالماً في زمانه، فقد اضطُهد، وهاجمه رجال الدين المتعصبون، بالرغم من أنه كان أستاذاً للفلسفة والكيمياء، وطردوه من عمله، وصودرت كتبه، ثم اعتُقل، وجرى ضربه على رأسه حتى أصابه العمى.
ولا ننسى الفيلسوف ابن رشد (1126 – 1198)، أشهر فلاسفة الأندلس، الذي أوذي، وأُحرقت كتبه واتُّهم بالإلحاد.
والتاريخ مليء بالكثير من القصص المؤلمة، ويكفي للدلالة عن قلة عقل من يتهم غيره بالإلحاد ما تعرَّض له الأديب الكبير نجيب محفوظ، الوحيد الذي نال جائزة نوبل، من محاولة قتل على يد شخص أمّ.ي، لأن من هو أجهل منه اتهمه بالكفر.
نعود ونقول إن مثل هذه الاتهامات السخيفة ما هي إلا حجة العاجز، فإن كان هناك ما لا يعجب شخصاً ما فيما نكتب، فليرد علينا ويدحض ما نكتب، دون الدخول في النوايا وإطلاق الاتهامات، دون دليل.