تهرش الحكومة شعر رأسها، ويهرش المجلس شعر صدره (ليس بين النواب امرأة) بعد أن قرر المجلسان حلاقة شعر رأس المواطن، على أن يُحلق شعر صدره في الفصل التشريعي القادم. نعيماً.
وما أجمل جلسة أمس الأول، عندما تحولت إلى صالون حلاقة باكستاني، تفوح منه رائحة الكولونيا (ثلاث خمسات)، وتملأ المرايا جوانب القاعة، وتبث الشاشة أغاني الحب والرقص الهندية. كانت جلسة تاريخية تتحدث عنها قوافل الأفيال.
والله يرحم والدي، كان يأمرنا بحلاقة شعورنا بشكل مستمر، بالماكينة، باعتبار أن “طول الشعر للنساء”. وعندما كنا نناقشه: “ولماذا نشاهد أجدادنا، في الصور، بجدايل تصل إلى الأكتاف؟”، ينهرنا: “ما كان عندهم حلاقين مثلكم اليوم”. والحكومة والمجلس يعتبران “الشعر عيب”، وإن سألنا الحكومة: “لماذا لم يحدث مثل هذا في السابق؟”، ستجيب بغضب: “لم نحصل على برلمان كالذي نملكه اليوم”.
ولو كنتُ أنا الحَكومة، كما قال ذلك الممثل، لأثرت النعرات الطائفية، كي يغطي غبارها خيبتنا وجرأتنا على جيب المواطن الغلبان. أو كنت أعلنت عن حفلة لهيفاء وهبي، وكشفت عن نوعية ملابسها التي سترتديها، كي ينشغل الناس بفخذها العارية وظهرها المكشوف، وينسوا حركاتنا الجميلة.
ولنا في الإعلام الناصري في الستينيات مثال معتبر، عندما انشغل الناس بمقاس حذاء عبدالناصر، أثناء قمع الحريات، وهل كان يرتدي حذاءً بمقاس خمسة وأربعين أم كان مقاسه أربعة وأربعين؟ وهو سؤال ثقيل كما تعلمون، اختلف حوله بعض الصحافيين، وتساجلوا، وشرقوا وغربوا، وأثاروا الغبار، فلم يرَ أحد عشرات السياسيين وهم يُقادون إلى السجون مكبلي الأيدي والأرجل.
هذا والقصة كلها كانت عن مقاس الحذاء، فما بالك لو كانت القضية طائفية من الوزن الثقيل، أو كانت هيفاء تتمخطر على المسرح بملابس ليست كالملابس؟ فعقلياتنا هي عقليات شعوب الستينيات، وسلطاتنا هي سلطات الستينيات.
صدقوني، بعد أن غضب منكم حتى أنصاركم، ليس لكم من خيار إلا الاستعانة بشيطان الإعلام، والبحث عما “يهز المجتمع”، كما قال صالح عاشور. لعل وعسى.