وماذا يعني هذا؟ ما الذي تريد منا أن نفهمه عندما تقول متهكماً: “أعرف هذا الشخص المشهور قبل أن يصبح مشهوراً، كان لا يجد ما يأكله، كان يسكن مع عائلته في شقة تأنف القطط من العيش فيها، يتشاركون في حمام واحد، وحوش واحد مع الجيران، وكان يركض يومياً للحاق بحافلة المواصلات، وكان وكان وكان…”.
ثم تنفث أنفاسك ساخراً، وتلوّح بيدك بحركة دائرية، وتتحسر: “انظر إلى حاله اليوم، يعتذر عن الظهور في اللقاءات التلفزيونية، لثلاثة أشهر، بحجة البحث عن الهدوء، ويرتدي ساعة يد فاخرة لم يكن يحلم برؤية صورتها، ويركب سيارة رياضية قيمتها أغلى من ديته هو وأهله مجتمعين، ويسكن في فنادق كان حلمه أن يجلس في ظل أحدها، فإذا هو الآن يتنقل بين أجنحتها…”، وتتمتم بقهر: “الله يرحم… الله يرحم”.
حسناً، هو كان في حال وانتقل إلى حال، من دون أن يسرق أو يستجدي أو يظلم أحداً، فما الذي لم يعجبك في موضوعه؟ هل لو لم تكن تعرفه في حالته الأولى كنتَ تقبلته؟ أي هل المشكلة في أنك كنت تعرفه وهو ضعيف أم ماذا؟ وهل نحن مضطرون، كي نرضي حضرة جنابك، إلى تعداد أسماء أثرياء العالم ومشاهيره، الذين كانوا لا يجدون قوت يومهم، وأصبحوا يملكون “هبرة كبيرة” من خزائن هذا الكوكب، فنحدثك عن صاحب التفاحة “آبل” ستيف جوبز، أو اللاعب البرازيلي الشهير رونالدينهو، وأين كان يسكن، وماذا كان يأكل، أم عن الفنان محمد عبده وحالة أسرته قبل الشهرة… هل لديك الوقت للاستماع إلى مثل هذه القصص؟ والأهم هل لدينا نحن الوقت لنطرح الأمثلة لمعاليك؟
عموماً، أنا على عكسك، تبهرني الشهرة والمكانة اللتان بلغهما أحد قاطني الأزقة الخلفية، ليقيني أنه لم يكسبها بسهولة، لذا أجد نفسي منجذباً لعباس العقاد، على سبيل المثال، أكثر من أحمد شوقي، وأرى أن ذلك الأسواني الفقير الذي كان يسكن في حوش، ويقرأ بقايا الصحف التي تركها الناس، وحقق شهرة أسكرت العالم العربي، أراه أعظم وأفخم بكثير من أحمد شوقي، ابن القصور الفارهة، والموائد الملونة، والعلاقات الجاهزة.
ومازال هذا الإعجاب بالقادمين من الخلف يغمرني، في حين لا أقتنع، بسهولة، بموهبة كاتب أو شاعر تربى على أرائك من حرير.
وفي أيامنا هذه، أرى أن مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي الموهوبين، الذين أتوا من الخلف، يستحقون التصفيق لهم وقوفاً، أكثر ممن دخل هذه المواقع وشهرة والده تسبقه، أو ثراء عائلته يمشي أمامه ويعبّد له الطرق.
لذا تعال هنا لأهمس في أذنك: “أنت فاشل، وغيور، وغيرتك ستقتلك، وما تقوله أنت، عن ذلك الناجح، يرفعه ويخفضك، فيراه الناس كبيراً، ويرونك صغيراً، أيها الصغير”.