سمو الشيخ محمد بن راشد يفاجئنا دائماً بما هو جديد وجميل، وبما يحمل خصال التحدي بمعناه الإيجابي، وبما هو مبهر حقاً، وإذا كان بناء مدينة دبي الحبيبة قد اختزل كل ما هو رائع ومميز ومنافس من الناحية الهندسية والمعمارية فتحولت إلى تحفة عالمية وأيقونة حضارية، فإن مشروع بن راشد الجديد قد وجه إلى الإنسان، والإنسان الإماراتي على وجه التحديد.
فكرة الشيخ محمد رائدة وتفرض احترامها لما لها من معان سامية وأهداف حقيقية، وتتمثل باختيار الطلبة الخريجين بمعدل امتياز للمسؤولية العليا في الدولة بما في ذلك منصب الوزير! ولا شك أن هذه المبادرة التي نعتبرها جادة ويعقد عليها العزم، كما هي الحال في الكثير من مبادرات الشيخ، قد لاقت ترحيباً عاصفاً لا سيما من الشباب، وهذا حق أصيل لهم، فالشباب هم الجيل الذي سيبقى في المشهد المجتمعي وكل مسؤولياته على مدى نصف قرن من الزمن، ومن حقهم أن يساهموا بشكل مباشر وصريح في تحديد معالم الحياة التي سيعيشونها، ومن ناحية أخرى فإن تكريم الشباب الفائقين من خلال المناصب العليا من شأنه أن يلهب الجسد الشبابي برمته ويدفعه بحماس إلى التفوق والنجاح بامتياز، ولو فرضنا أن ثلاثة شباب فقط يتم توزيرهم فإن المجتمع سيفرز الآلاف من المتفوقين الذين سيثرون أي قطاع وأي وظيفة يلتحقون بها، وهذا بحد ذاته الإنجاز الحقيقي.
بعض التعليقات المضحكة على هذه المبادرة الشبابية حذرت من تسليم الشباب مهام كبرى لنقص الخبرة والتجربة، وكأن هؤلاء الشباب الثلاثة أو الأربعة سيرسلون إلى كوكب مهجور لممارسة مهامهم، وليس مع جيل الخبرة وفرق العمل المؤسسية التي تتميز بها دولة الإمارات الشقيقة أصلاً، لكن لا نلوم في ذلك أصحاب المصالح والديناصورات التي لا تعرف قيمة العلم، ناهيك عن التفوق العلمي وآفاقه! تجارب الشيخ محمد بن راشد رائعة ومفيدة لبلده، ونتمنى لها الخير والنجاح، ولكن الشيخ في الوقت نفسه يحسسنا بالإحباط والخجل، فكلنا نعلم آلية اختيار الوزراء عندنا، وكذلك التعيينات في المناصب القيادية، نعم في الحالتين يتم اختيار الخريج بامتياز، ومن فئة الشباب، ولكن الفرق هنا في التفاصيل، ففي الإمارات يتم ترجيح الشاب الثلاثيني لكن شبابنا القياديين يجب أن يكونوا على أعتاب السبعينيات! والمسؤولون في الإمارات قد يحاسبون ويعاقبون في حال الفشل أو التجاوزات بيد أننا نكرم المتجاوزين ونستبعد المصلحين من أول قرار جريء من شأنه تصحيح المسار!
مبادرة الشيخ آل مكتوم تهتم وتركز على التفوق الدراسي بامتياز، ونحن نفضل الامتياز ولكن لمن حصل على درجة الامتياز في العصبية الطائفية أو العصبية العرقية، أو من حصل على الامتياز في سوء الإدارة و”فسفسة” أموال الدولة، أو من حصل على الامتياز في سياسة الواسطة والمحسوبية والدوس على العدالة والمساواة، ومن قال بامتياز “أبشر طال عمرك”! موفق يا شيخ محمد في مشاريعك الجميلة ولو أنك “تطفرنا” فيها، عبر حركشة سياسية، فأكثر من هذه الحركشات جزيت خيراً!!