يقول صديقي، الذي عاد أخيرا من زيارة لعاصمة عربية، إنه لاحظ أن سائق التاكسي الذي أقله من المطار، كان يشغل مذياع السيارة على القرآن. كما لاحظ أن عداد السيارة لا يعمل، فلما حاول تنبيه السائق للأمر نهره، قائلاً إنه يخاف ربه، ولن يسرقه! ولكن عندما وصل إلى الفندق اكتشف أنه دفع أضعاف الأجرة المعتادة.
ويقول أحد كبار موظفي الدولة إن بين من يقبضون رواتب ولا يعملون، نسبة كبيرة ممن يفترض أنهم متدينون! فكيف سمحوا لأنفسهم بسرقة أموال الدولة؟ وتقول الصديقة، والنائبة السابقة، أسيل العوضي، في محاضرة لها إنها درست في جامعة الكويت، عندما كان التعليم مختلطاً لكلا الجنسين. وعادت بعد نيلها شهادة الدكتوراه، وعملت أستاذة فيها. ولكنها فوجئت بكمّ الانحراف الأخلاقي الكبير، وكيف أصبح الغش عادياً، والكذب عادياً والتوسّط والتوسّل لرفع الدرجات أمراً عادياً، والسرقات العلمية ازدادت، وأصبحت كلها أموراً يتقبّلها الجميع، من دون تذمُّر، مع أن تعليم البنات أصبح منفصلاً عن تعليم الذكور.
وسبب هذا التناقض في التصرُّف، والخلط بين المفاهيم، يعود بنظرنا إلى التربية الأسرية والمدرسية والمجتمعية التي حصرت الأخلاق في القضايا الجنسية، وأدواتها، فمادامت هذه بخير كانت الأسرة والمجتمع بخير، وهذه نظرة خاطئة، وهي التي أوصلت مجتمعاتنا إلى هذا الدرك الأسفل من الانحراف في السلوك الأخلاقي.
فالأخلاق ليست قضية جنسية فحسب، بل هي مجموع قواعد السلوك السليم التي عادة ما يحتاج إليها المجتمع لكي يكون سليماً. فالسلوك الأخلاقي السليم يدعونا إلى عدم الكذب والغش والسرقة، بنفس مقدار مطالبتنا بعدم الاعتداء على الغير وضربه أو قتله. وبالتالي فإن التصرفات الشخصية كالتدخين أو ممارسة المرأة للرياضة، أو اختلاط المرأة بالرجل والدراسة المختلطة لا علاقة لها بالأخلاق، بل هي سلوك شخصي لم تتسبب الجهة التي قامت به بالتسبب في إلحاق الأذى بالمجتمع، مقارنة بالغش في الامتحانات والكذب في الشهادة ورمي الأنقاض والقمامة في غير أماكنها، والوقوف بطريقة خاطئة، فهذه كلها تتضمن فعلا ضارا بالمجتمع وبأفراده.
وبالتالي من المضحك، والمستهجن جدا، القول إن المجتمعات الغربية غير أخلاقية، والصحيح، من واقع علمي وممارسة شخصية، أن المجتمعات الغربية، وبخاصة تلك التي تتدنى فيها نسبة مرتادي الكنيسة، هي أكثر المجتمعات شفافية والتزاماً بالعمل ودفعاً للضريبة، وتمسكاً بالقوانين، وبالتالي هي مجتمعات تمتلك قيماً أخلاقية عالية، ونرى عكس ذلك في الدول شديدة التدين، ظاهرياً على الأقل، حيث تسود فيها مفاهيم أخلاقية من معايير مختلفة. وقد تبدو هذه المجتمعات الأخيرة متمسكة بالأخلاق، محتمية بها، ولكن الواقع أن أفرادها أكثر كذباً وغشاً من غيرهم. كما أنهم أقل التزاماً بواجباتهم تجاه مجتمعاتهم، أسرهم أو دولهم.
* * *
ملاحظة: أطرف تغريدة قرأتها أخيرا كانت للمغرد نايفكو: أقترح تسمية مطبات الشوارع بأسماء كل الذين عرقلوا التنمية في الكويت وتسببوا في تخلّفنا! والسؤال، هل هناك ما يكفي منها؟