احتلت الكويت مرتبة متدنية جدا في سلم الدول كأفضل وجهة لإقامة الاجانب. وقد لا يعني هذا للبعض شيئا، ولكنه أمر مهم إن كنا حقا نهدف الى جعل الكويت جاذبة سياحيا، لأهلها وللقادمين لها من الخارج، في ضوء خطة الحكومة في تطوير الجزر، وجعلها واحات ترفيه وتنفّس، بحيث تتوافر فيها ما لا يوجد في داخل الكويت. يحدث ذلك بعد أن شحت الموارد، واكتشاف «الإدارة» الحكومية «فجأة» أننا بيئة طاردة للأجانب، وحتى للمواطن، بسبب مجموعة من القرارات العشوائية، أو المقصودة لكي لا تعود الكويت وتصبح مركزا ماليا وتجاريا في المنطقة. والمضحك ما غرَّد به أحد قادة السلف بأن القوانين سوف تمنع بيع مواد على الجزر لا يسمح بها في الداخل، متناسيا أن من وضع القوانين يستطيع تغييرها، ومتناسيا أيضا أن ما يود منع بيعه في الكويت تبيعه شركته في بيروت!
إن التشدد الديني، والتزمُّت الأخلاقي، اللذين طالما طالب بهما البعض، ولقيا دائما استجابة سريعة من الحكومات المتتالية، جعلا الكويت على صورتها الطاردة للكفاءات، في مخالفة واضحة لما جُبل عليه أهلها طوال تاريخهم، فلولا انفتاح الكويتيين التاريخي على الآخر، واختلاطهم بثقافات الشعوب، وما اتسموا به من تسامح، لما اختارها أحد وطنا، يوم لم يكن هناك نفط ولا مال ولا حتى ماء!
ففي شريط تاريخي يظهر الشيخ عبدالله الجابر وهو يغني النشيد الوطني للكويت في الثلاثينات، حيث تقول كلماته:
شعب الكويت لك البشرى
فمجدك يا وطني ازدهرا
وطالع سعدك مبتسم
بعهد حزت به الفخرا
إلى أن يقول:
شباب الكويت ألا فانهضوا
فنحن بعصر المدنية
بعصر فيه الشعوب رقت
فهبوا وأحيوا القومية
***
إن تخلّفنا المتسارع عن الدول المجاورة لنا، اقتصاديا وعمرانيا وحتى أمنيا، واضح. والأسباب معروفة، ولكن غالبا ما يتم غض النظر عنها، ولكن ما إن ترتفع اصوات الاحتجاج والتذمّر، حتى نجد تجاوبا حكوميا مع النداءات لفترة لتعود الأمور الى سابق عهدها.
ونظرة سريعة على وجوه وانتماءات من يتولون كثيرا من مناصب الدولة تعطينا فكرة عن مدى نفوذ الأحزاب الدينية. فكثير من الخيوط لا تزال بيدها، وإن بصورة أقل علنية من قبل.
والحقيقة أنني، وطوال نصف قرن من العلاقة والارتباط، المباشر وغير المباشر، بالمصارف والشركات الكبرى واحتكاكي بشاغلي الوظائف الحكومية وبكبار الإداريين، فإني لا أتذكر أنني التقيت واحداً من المنتمين الى هذه الأحزاب «فيه خير» أو تميّز على غيره، وربما كان العكس هو الصحيح، فضعفهم وفسادهم كانا الغالبين. فكيف أصبحت كويت الثلاثينات، التي كان نشيدها الوطني يتغنّى بجمال مدنيتها، على ما هي عليه الآن من تزمّت؟!
وإن كانت هناك رغبة في عودة الكويت إلى سابق ليبراليتها وعهدها ورونقها فعليها ان تعود لنفس طبيعتها السابقة. فنحن اليوم نبحث عن أمثال الشيخ عبدالله الجابر، وأحمد الدعيج وعبدالعزيز حسين، وحمد الرجيب، وغيرهم من المستنيرين. فلا تقدم يمكن أن يتحقق ولا نهضة ترتجى، والوجوه الكالحة هي التي لا تزال تمسك بكثير من مقدرات الدولة، محللة ما يتناسب وذوقها، رافضة ومحرّمة كل ما لا يتفق ومصالحها!
***
• ملاحظة: نشكر وزارة الصحة على جهودها في نشر رسائل التوعية والوقاية الصحية من خلال كليبات قصيرة، ونتمنى أن ترسل لأكبر عدد من مستخدمي التواصل الاجتماعي لكي تعم المنفعة الجميع.