هناك مشاكل حقيقية قادمة لمجلس التعاون الخليجي في ظل المخاطر السياسية والأمنية والاقتصادية غير المسبوقة التي تتعرض لها دوله، ومن غير الإنصاف في هذا السياق وضع جميع دول المجلس في بوتقة واحدة عند تقييمنا لتلك التحديات، فهناك دول خليجية استطاعت ابان فترة الرخاء خلق الموارد البديلة للنفط عبر التركيز على الصناعة والزراعة والبعض الآخر اعتمد على كونه مركزا للخدمات المالية وبنوك «الأوف شور»، وبعض ثالث على تحوله بنجاح باهر لمركز مالي وخدماتي وسياحي، بينما بقي من لم يفعل شيئا يقيه شرور تلك المصاعب القادمة لا محالة عدا تبني سياسة «عش يومك وانس غدك».
***
وستقسم وتفرز مستقبلا تلك التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية دول المجلس لا محالة حيث قد ترى بعض الدول المنجزة اقتصاديا، على سبيل المثال، أنه لا شأن لها بالدول المتعثرة، ومثل ذلك مستقبلا أن تبتعد الدول المستقرة سياسيا وأمنيا عن الدول التي ستعاني من انسدادات سياسية وأمنية شديدة، كما أن المصاعب الاقتصادية ستتحول كما هي العادة الى قلاقل سياسية وأمنية لدى من لم يحضّر نفسه لتلك المرحلة ويخلق بدائل للنفط عدا السحب على المكشوف من احتياطياته المالية واستثماراته التي ستسد الى حين ولكن ماذا بعد ذلك؟
***
ومن الأمور الخطيرة محتملة الحدوث بقوة، حدوث شرخ حضاري بين الدول التي اعتنت بالتعليم الاولي والجامعي، حيث ستخرج شبابا قادرين على التعامل مع متغيرات العصر من إجادة للغات الحية واستيعاب لتكنولوجيا المعلومات والجدية في العمل والانتاج مما سيسهل لهم العمل في القطاع الخاص، وعملية الإحلال في القطاع العام محل العمالة الوافدة التي سيغادر كثير منها دول الخليج مع ارتفاع كلفة العيش المصاحبة لمشاريع ترشيد الإنفاق، بينما ستعاني دول أخرى لم تعد نفسها بشكل صحيح لذلك المستقبل القريب من إشكالات كبرى مع أجيال تعاني من «الأمية المستترة» حيث يتسبب الإهمال في التعليم الاولي وتفشي ظاهرة شراء الشهادات في التعليم الجامعي الى مشاريع «بطالة مقنعة» لا تحتملها تلك الحقب الصعبة مما قد يصعب من وجود الدول شديدة الانجاز والدول شديدة الإخفاق في مجلس واحد.
***
وسيمتد التباين الخليجي – الخليجي لأداء الجيوش التي لا يمكن أن يتحسن أداؤها دون الدخول في حروب حقيقية وخاصة جيوش البلدان ذات المخاطر الأمنية العالية بسبب موقعها الجغرافي، لذا فبالإضافة لعدالة تدخل جيوش التحالف العربي في حرب اليمن لتحقيق العدالة وتمكين الشرعية، فستستفيد الجيوش الخليجية والعربية المشاركة في العمليات الجوية والبرية والبحرية من تلك الحرب فائدة كبرى وستزيد قدرتها على التصدي لأية تحديات عسكرية وأمنية مستقبلية تتعرض لها دولهم وستحرم الدول التي لم تشارك من تلك الفرصة الذهبية التي لن تتكرر.
***
آخر محطة: (1) تشارك الدول المتقدمة والكبرى في العالم في حروب كثيرة خارج أرضها ولا تتردد ولا تخشى من دفع ضريبة الدم من قبل شبابها لذا فلا معنى لسياسة «جيوشنا لا تخوض الحروب إلا على أرضنا» التي أعلنت عنها بعض الدول العربية والتي تحتاج الى إعادة نظر بها كونها سياسة لا تقول بها أي دولة أخرى في العالم ومغزاها ونتائجها أن تنتظر تلك الدول امتداد حرائق وحروب الجيران لأرضها قبل أن تبادر الى إطفائها وليس في ذلك حكمة!
(2) سنوات العرب القادمة هي حقب حرب وضرب تمنح البقاء وتمنع الفناء لذا نكرر طلب أن يكون أمين عام الجامعة العربية القادم ذا خلفية عسكرية متميزة كي يستطيع تنسيق العمليات الحربية بين الجيوش العربية وأن نبتعد تماما عن الساسة بائعي الكلام والأحلام من متقاعدي وزارة الخارجية أمثال السيدين عمرو موسى ونبيل العربي كونهما لم ينجزا شيئا على الاطلاق وتسببت إخفاقاتهما المتكررة في الدماء المسفوكة والبنيان المهدوم والملايين المهجرة في العراق وسورية وليبيا وغيرها.