لم تكتسب، في السنوات المئة الماضية، اي منظمة عسكرية دينية سمعة عالمية سيئة، كالسمعة المرعبة التي اكتسبها تنظيم الدولة الإسلامية. ومع هذا نالها حظ كبير من النجاح، واستطاعت جمع تأييد مختلف أطياف المجتمعات الإسلامية لها، مما مكنها من جمع الأموال، والصرف على تجنيد آلاف الشباب الضائعين والمحرومين لصفوفها، الذين التحقوا بها أفواجا، ومن كل فج عميق، ليس فقط لشعبية التنظيم، واعتقاد من التحقوا به او تعاطفوا معه في ان في العمل تحت أمرته يكمن الخلاص، بل وأيضا بسبب سيادة حالة الجهل في المجتمعات الاسلامية، والضياع الذي يعيشه مئات آلاف الشباب في المجتمعات الغربية الحرة والمنفتحة، وحالة الظلم والاضطهاد والبطالة والفقر التي تعيشها مجموعات أخرى منهم في مجتمعاتهم المغلقة والتسلطية.
وبالرغم من اختلافنا الجذري والمبدئي مع فكر «داعش» وكل ما تمثله، فإن من الصعب عدم ملاحظة فشل مجتمعات الدول الإسلامية في الاستفادة من دروس وجود «داعش» بيننا وعلى حدودنا، وحتى في بيوتنا. فمع كل ما تمثله «قيمها ومبادئها»، وحتى معتقداتها، من وحشية وعنف غير مسبوق في العصر الحديث، فإن حجم الرفض والاستنكار لأعمالها، رسميا وشعبيا، لا يقاس ابدا بحجم وحشية أعمالها وجرائمها.
كما فشلنا في الاستفادة من رفض «داعش» التام لكل الحريات والحقوق التي نالتها المرأة المسلمة في العقود القليلة الماضية، وإصرارهم على إهانتها وبيعها في سوق النخاسة واستعبادها كرقيق. فكل سوء افعالها لم يدفعنا لأن نصبح أكثر احتراما وتقديرا للمرأة ودورها الخطير في بناء المجتمعات، بل سكتنا، وكأننا نبارك أفعالها.
كما لم نستفد من وجود «داعش» بيننا، ومن شديد كراهيتها لغير المسلمين، ولم نحاول تحسين أو تخفيف لهجة خطابنا الديني، ولو قليلا، والتعامل برقي أكثر مع الشعوب الأخرى غير المسلمة. فما زال الخطاب الديني، الذي يلقى من على منابرنا، بنفس منطقه السابق. والحقيقة أننا نكره الآخر، ونحن بحاجة ماسة الى أن نغير من هذه النظرة، وان نتعايش بصورة افضل مع العالم المتقدم، وأن نزيد من اندماجنا معه، والاعتراف بأن ما ندعيه من خصوصية تمنعنا من ذلك ما هو إلا لغو ووهم!
كما فشلنا ان نستفيد من تجربة «داعش» ونصبح، عكسها، اكثر إنسانية ومحبة لبعضنا بعضا، وبخاصة للمسيحين والإيزيديين الذين عاشوا بيننا ومعنا، وشاركونا وشاركناهم الأفراح والأتراح على مدى أكثر من الف عام، فردود أفعالنا على ما تعرض له هؤلاء من قتل وسحق كرامة واستعباد وتشريد لم يكن أبدا بمستوى الحدث، وكأن هناك شبه موافقة ضمنية على ما جرى لهم.
فشلنا في الاستفادة من افعال «داعش» وجرائمها، كما فشلنا ان نستفيد من اي تجربة مريرة اخرى سبق أن مررنا بها، ويكفي للدلالة على ذلك أن خطب الجمعة، وما اكثرها، لم يرد فيها، كلها ربما، ما يدين أفعال «داعش» أو يكفرها أو من ينادي بالتواصل مع اخوتنا المسيحيين واتباع الديانات الأخرى، ومد يد العون والمساعدة لهم. فهل هناك بؤس أكثر من ذلك؟