أي حكومة في العالم إذا أرادت لقراراتها أن تطبق، فلا بد أن يكون الشعب مقتنعاً بها، أمّا إن كان الشعب لا يرى جدواها، أو غير مقتنع بسلامتها، فإنها ستظل حبراً على ورق، وسيجد المواطن ألف طريقة وطريقة للالتفاف حولها والتلاعب في تنفيذها!
هذا بالضبط ما يحدث في الكويت هذه الأيام. الحكومة تريد أن تعالج تداعيات هبوط أسعار النفط وعجز الميزانية، وذلك بفرض ضرائب ورفع أسعار ووقف الدعم، وهذه الإجراءات ـــ مع أهميتها ـــ إلا أن الشعب يرى الأمور من زاوية أخرى، فهو يرى أن هذه الإجراءات لن توفّر للميزانية إلا القليل peanuts، بينما الوفر الحقيقي يجب أن يكون بوقف الهدر المكشوف للعيان في مجالات عدة.
الشعب يراقب المشاريع الإنشائية والأرقام الفلكية فيها، والشعب يقرأ تقارير ديوان المحاسبة والمخالفات المليونية، ولم يعد خافياً للعيان التنفيع بالمناقصات والتلاعب بأسعارها بين الشركات المتقدمة، ولعل اطلاعاً سريعاً على الأحكام القضائية الخاصة بالتعويضات للمقاولين يعطينا انطباعاً عن حجم الفساد الذي وصل إلى بعض مؤسسات الدولة، وهل يعلم المواطن كم ستحصل إدارة الإعلانات في البلدية لو طبقت نظام التحصيل على قسائم ومحال الشويخ الصناعية؟
مجالات كثيرة لو تتصرف الحكومة فيها بشكل سليم لما احتجنا إلى فرض الضرائب. خذ مثلاً طريقة معالجة الحكومة لصفقة الداو، وكيف دفعت خلال أسبوعين غرامة ملياري دولار! وخذ مثلاً ما نشرته وكالات الأنباء من أن صندوق التنمية منح مصر مليار دولار غير مرتجع، ناهيك عن مليارات وملايين التسليح والجهاز الأمني!
المواطن يا حكومتنا الرشيدة مستعد أن يتعاون مع قراراتكم، لكن قبل أن ترفعي الأسعار وتوقفي الدعم حسسيه أن جديّتك معه ومع غيره. المواطن اليوم يمكن أن يطلع على خوافي الأمور أكثر من الأجهزة الأمنية، المنشغلة بمتابعة تغريدات المواطنين وتوجهاتهم السياسية؛ لذلك إذا أردتم تعاون المواطنين مع قراراتكم الجديدة فابدأوا أولاً بوقف هذا الهدر والتلاعب والنهب من المال العام، عندها ستجدون أنكم لا تحتاجون إلى كل هذه القرارات الاستفزازية!