منذ ان نزل الامام الخميني من سلم طائرة الخطوط الجوية الفرنسية، ووطئت قدماه أرض فارس في الاول من فبراير 1978، وايران تبدأ مشروعها السياسي المتمثل في احياء المذهب الاثني عشري الذي تبناه الشاه اسماعيل الصفوي عام 1501، ولذلك بدأ عهده بالحرب العراقية – الايرانية، وزج بآلاف الشباب الايراني في اتونها، مقلدين بسلاسل مفاتيح ابواب الجنة! انه المشروع الذي لن يرَى النور الا بمثل هذه التضحيات!
اليوم، وبعد أكثر من ربع قرن، تعلن ايران الفارسية انها تسيطر على أربع عواصم عربية، والطريق سالك للمزيد من الفتوحات!
في هذا الوقت، دولنا العربية، وبالأخص الخليجية منها، تحارب الجماعات الاسلامية السنية ذات المنهج الوسطي والقادرة على مواجهة المشروع الايراني بالفكر والتوجيه والحراك الشعبي! لذلك سهل على ايران بقوتها العسكرية وفيالقها ان تبسط سيطرتها على هذه العواصم العربية، وتنشر المذهب والعقيدة اللذين تتبناهما بعد ان اختفت من المنابر عمائم أهل السنة، ومنع من المساجد حلق الذكر، ورفعت دول الخليج يدها عن دعم المجهود العسكري الذي تشكل بعد دخول الايرانيين للعراق والشام ولبنان! بل ان الادهى والأمرّ اننا نحارب هذه الجماعات التي تمثل العمق السني في الحركات السنية المعتدلة!
في تونس، حاربنا حركة النهضة التي تكاد تذوب بالتيار العلماني من شدة تنازلاتها، ومع هذا لم يشفع لها ذلك، وبدأنا نساهم في زعزعة اوضاع تونس الامنية، فأدركت حركة النهضة ما يخطط لها فانسحبت من الواجهة، وسلمنا الحكم لتيار لن يجد غضاضة في انتشار المذهب الذي تتبناه ايران، من دون ان نشعر بخطورة ما قمنا به!
واليوم في ليبيا، حاربنا التيار الوطني المعتدل وجئنا بضابط استخبارات من اميركا ودعمناه وأنهينا فرحة الليبيين بسقوط نظام طاغية، ليأتي طاغية آخر، وسخرنا الامم المتحدة بشيمة واحياناً بقيمة من اجل الا تستقر ليبيا ويقرر شعبها مصيره! وقبل كل ذلك ساهمنا في مصر في اسقاط نظام كان من الممكن ان يكون مهيأً لمنع انتشار المشروع الفارسي، وجئنا بنظام يتجه أينما وجد مصلحته، وبما ان ايران تعرف كيف تستخدم أدواتها، لذلك لا نستبعد ان نرى أرض الكنانة يعبث بها خبثاء الفرس! أما بلاد الشام فالوضع أكثر مرارة، فبعد ان وصل المجاهدون الى ابواب دمشق خفنا من سيطرة جماعة معتدلة على الاوضاع، فساهمنا في رفع يدنا عنهم وجعلناهم فريسة لحزب الله وكتائب سليماني!
الخلاصة.. نحن لا نحتاج فقط الى قطع علاقات مع ايران بقدر حاجتنا الى دعم التيارات الاسلامية السنية المعتدلة، والقادرة على وقف التمدد المذهبي على حساب مكونات المجتمعات السنية! ايران لديها مشروع تسير وفق خطة لتنفيذه، نحن ليس لدينا مشروع لا عقائدي ولا سياسي، والامل اليوم يتجدد في الملك سلمان وامكانية ان يعيد لهذه الامة شيئاً من هيبتها وقيادتها للمنطقة!