في 11/2/1979 نجحت الثورة في إيران وسالت مآقي الخليجيين والعرب والمسلمين فرحة بانتصار الشعب الإيراني الشقيق على الشاه طاغية طهران والمهدد لأمن دول المنطقة عبر إدعاء صفة شرطي الخليج والذي ترجم عداءه لدولنا باحتلال جزر دولة الإمارات وتآمره مع بعض القوى الدولية لاحتلال الدول والآبار النفطية الخليجية كما أتى في كتاب صدر مؤخرا للباحث الأميركي اندرو سكوت كوبر.
***
وفي شهر يناير 1980 كتبت مقالا نشر في الزميلة «القبس» كان عنوانه «ما بين الثورة المصرية والثورة الإيرانية» طلبت فيه من قيادة الثورة الإيرانية تعلم الدروس من أخطاء الثورة المصرية التي اعتقدت قيادتها ان الملك فاروق الذي سقط في مصر قد زرع في الدول العربية الأخرى واعطت لنفسها حق التدخل بشؤونها وتصدير ثورتها لإسقاطه حتى انتهى الأمر بهزيمة عسكرية مرة عام 67 ليكتشف بعدها الرئيس عبدالناصر ان الأنظمة الثورية التي دعمها هي التي ورطته في تلك الحرب، وان الأنظمة المحافظة التي حاربها هي من دعمت صموده وشراء المعدات لجيشه حيث تكفلت المملكة العربية السعودية والمملكة الليبية والكويت بمنح سنوية ضخمة للميزانية المصرية بعد مؤتمر الخرطوم 67.
***
ما حدث بعد عام 79 كان العكس تماما، حيث بدأت منذ الأيام الأولى تحركات مدعومة من إيران في العراق والكويت والبحرين والسعودية تحمل صبغة طائفية مفرقة بين المسلمين وبين مواطني البلد الواحد، وكان واجبا لو كان الإصلاح هو الهدف ان تتم المطالب تحت سقف المواطنة العامة لا كمطالب خاصة لفئة أو طائفة منعا لخلق فتن طائفية كما جرى، وقد استغل صدام ذلك التدخل لشنّ حربه الظالمة على إيران، وجرت بعدها وعبر العقود الثلاثة الماضية مياه ودماء وجثامين كثيرة تحت جسور التدخل بشؤون الغير ورفع شعارات مدغدغة وغير جائرة مثل: ان طريق القدس يمر في بغداد الذي أطال أمد الحرب العراقية ـ الإيرانية إلى ثماني سنوات وقد سقطت بغداد لاحقا اي بعد 2003 إلا أن القدس لم تتحرر وساء حالها بسبب تناحر المسلمين.
***
ان التدخل بشؤون الدول الأخرى كما تعلمون ويعلم الجميع قد أحالها الى جحيم واستنزف موارد تلك الدول المسلمة واستنزف معها أو قبلها موارد الشعب الإيراني الشقيق فيما لا ينفع، ولنا ان نتصور للحظة ما كان سيؤول اليه الحال لو لم تنتهج إيران ولازالت تلك السياسة الخاطئة منذ أيامها الأولى، ولو وضعت منذ البداية مصالح الشعب الإيراني ومصالح الإسلام ودوله وكافة طوائفه في مقدمة الأولويات لكانت مئات المليارات التي صرفت على الحروب والأسلحة ودعم الميليشيات والأنظمة الظالمة في الدول العربية والإسلامية، قد احالت إيران الجارة والشقيقة المسلمة الى جنة من جنان الأرض، ولما رأينا معاناة شعوب إيران والعراق وسورية واليمن ولبنان وفلسطين نتيجة لسياسة التدخل في شؤون الدول الأخرى وآخرها ما جرى مع السعودية وهي سياسة نطالب القيادة الإيرانية بالتوقف عنها ومد يد الصداقة والعون والمحبة للدول والشعوب المجاورة فالتاريخ لا يرحم.
***
آخر محطة: (1) مما يدل على ان الاشكال الإيراني ـ السعودي مصطنع وتم خلقه لإبقاء المنطقة على صفيح ساخن أمران، أولهما حقيقة أنه لا إشكال على المستوى الشعبي على الاطلاق بين الشعوب الخليجية والشعب الإيراني بل بيننا كل ود وحب وإخاء، ولا توجد ضربة كف واحدة بين أفراد تلك الشعوب والمذاهب والأعراق على المستوى الشعبي.
(2) الأمر الثاني هو ان العلاقة الإيرانية ـ السعودية تحسنت كثيرا حال وصول قيادات إيرانية معتدلة للحكم مثل الرؤساء رفسنجاني وخاتمي وقد سمعنا بالأمس خطاب الإدانة الشديد للاعتداء على السفارة السعودية من قبل الرئيس المعتدل د.حسن روحاني وكان لزاما كما تقتضي الاعراف والمواثيق الدولية ان يتبعه اعتذار مباشر للمملكة بدلا من الادعاء غير العاقل باعتداء المملكة على السفارة الإيرانية في صنعاء ولماذا تتعمد المملكة خسارة الاصطفاف العالمي معها؟
(3) لازالت شعوب المنطقة وعلى رأسها الشعب الإيراني الشقيق تنتظر هجمة سلام من القيادة الإيرانية نحو دول المنطقة ودول العالم اجمع كي تنهي حالة الحروب والتأزم والمقاطعة المستمرة بشكل متواصل منذ عام 79 للشعب الإيراني وان تنهي إيران حالة الثورة وتبدأ مشروع بناء الدولة وتكوين الثروة لتستفيد منها اجيال إيران المقبلة.