الأحداث تصنع الثقة من عدمها. وإذا ما تراكم الفشل أو الأخطاء تكون ردة الفعل تجاه أي حدث جدير بالاحتفاء معبأة بالتوجس. الثقة بالحكومة، أجهزتها وخدماتها هي قضية من قضايا الساعة في الدول المتقدمة. الثقة بخدمات الحكومات في بريطانيا وأمريكا مثال. ولسنا خارج نطاق هذا الكون وإن كان بصيغ مختلفة بطبيعة الحال تختلف من مستوى إلى آخر. ما هي الثقة؟ هل يمكن تعزيز الثقة؟ ما الدور الذي تلعبه القيادة في إعادة بناء ثقة الناس بالحكومة وأجهزتها؟ كيف تؤثر الثقة في الخدمات العامة واستقبالها: الصحة، التعليم، البطالة، السكن، الخدمات الاجتماعية، محاربة الفساد.. إلخ.
كيفية إعادة أو تعزيز الثقة تعتمد على نوع القضايا والقطاعات، كما أن تطوير الأفكار حول كيفية إعادة بناء الثقة بالحكومة وخدماتها العامة يمكن ضبطه بشكل أسهل في عصر المعلومات. لماذا الثقة مهمة؟ الثقة أمر مهم لنجاح السياسات العامة التي تعتمد على الاستجابات السلوكية من الشعب وبالتالي رفع المعنويات وتعزيز المواطنة. وإذا كان هناك انخفاض في ثقة الشعوب بالحكومات وأجهزتها سيصبح أي عمل أو تغيير محل شك يحتاج إلى تفسير وشرح. ثقة المواطنين تحدد ما يتوقعون من الحكومة، وهي التي تمكن الحكومات من تلبية تلك التوقعات. تراجع منهجية الأداء الحكومي وتراجع مستوى الثقة يندرج تحت أمرين: إما أن أداء الحكومة – أي حكومة – سيئ كأداء خدمي أو سياسات اقتصادية، أو أن متطلبات الشعوب تطورت، أو كلا الأمرين. تقدم العصر يحتاج إلى تعاط أكبر. يعتقد الخبير السياسي المخضرم رونالد إنجلهارت أن القيم الاجتماعية والسياسية تحولت بعيدا عن الاهتمامات والمخاوف «المادية» زمن الآباء والأجداد كالازدهار الاقتصادي والأمن، نحو مجموعة من القيم ما بعد المادية كحرية الاختيار، ونمط الحياة، وحرية التعبير إلخ. وهي التي تندرج منها العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد أيا كان فسادا ماديا أو فسادا في الأداء. لا شك أن تنامي مستوى الحداثة واتجاهات الحراك الاجتماعي، فضلا عن عوامل أخرى متشعبة تعزز من تآكل الثقة.
قبل أسابيع قرأت خبرا إعلاميا يقول إن جامعة الملك عبد العزيز تقيم ندوة لدراسة سلوكيات قردة البابون. انفجر الخبر في “السوشيال ميديا” كنكتة أمام تحديات الأجهزة الحكومية التي يراها بعض المواطنين أولويات للتطوير بدلا من قردة الطائف. على الرغم من أن الدراسة مهمة جدا، لا سيما أن الدراسات والأبحاث في العالم بطبيعة الحال تتناول كل ما يتعلق بتفاصيل الحياة بيئيا وفطريا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا إلخ، إلا أن النظرة المسبقة لأي عمل أو جهاز حكومي مصورة بصيغة كوميديا سوداء كقط كسيح هو في حقيقته نابع من صور متراكمة في العمق الاجتماعي. تتكرر الصورة في أخبار كثيرة. التندر والنكتة والإحباط ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار. هل المشكلة في ثقافة الجمهور أم في إحباطهم وتآكل ثقتهم؟
أخيرا، حرصت القيادة على إشراك المواطن مع المسؤول في مشروع التحول الوطني لعجلة التنمية والاقتصاد من خلال مراجعة آراء مختلفة. وهذا مؤشر ثقة جيد يعني أن منهجية الدولة فيما يبدو تحتضن مختلف الأفكار لتقييمها. لا سيما أن قضايا تهم المواطن مطروحة أمام مجلس التنمية والاقتصاد. النقد يعني الحاجة إلى تغيير الإطار السياسي ومتعلقاته. التحول الوطني ينبغي أن يأخذ في عين الاعتبار رأي المواطن من خلال دراسات واستبانات واستطلاعات خاصة تقارن مستويات النمو ومؤشر الثقة، وهو المؤشر الذي يرصد تطور نظرة المواطن. الثقة جزء حيوي من صورة الحكومة في نظر شعبها وانعكاس ذلك للعالم، كما هي أساس مهم لتعزيز المواطنة والانتماء، ومن ثم الأمن والاستقرار.