كم كنت كبيرا يا «ابو براك»، فقد آذيتهم وأنت حي، وآذيتهم وأنت ميت. فما أن تأكد خبر وفاتك حتى ارتفعت عقيرة المفسدين، وعلى رأسهم المنتمون للأحزاب الأصولية، الذين طالما تاجروا بالدين، وجمعوا الملايين عن طريقه، مهللين، شامتين كاشفين رخص معدنهم، وخراب فكرهم، وزيف ادعاءاتهم.
لأنهم متدينون متعصبون، فقد اعتقدوا أن من حقهم ادعاء الفضيلة والخصال الحسنة. ولأنهم متدينون فقد اعتقدوا انهم حراس الدين والمدافعون عن حياضه. ولأنهم لا يرون إلا عيوب غيرهم، وهم بلا عيوب، فانهم سذج مغرورون، وأنت يا نبيل الفضل من أظهر حقيقة ادعاءاتهم، ولهذا كرهوك وحاربوك، وأساءوا اليك حيا وميتا، وبكل طريقة وأسلوب، فقط لأنك اختلفت معهم في الرأي، فتركوا العفة جانبا، ونسوا الأدب، وتجاوزوا ادعاءات الفضيلة والخلق، التي طالما تشدقوا بها طوال سنوات، وباشروا من اللحظات الأولى لوفاتك بنهش لحمك الحرام على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وقبل أن يوارى جسدك التراب، غير عابئين بحرمة الموت، متناسين مشاعر أسرتك واهلك واحزانهم.
نبيل الفضل لم يطالب بقتلكم، ولا بتفجير بيوتكم، ولا بتكفيركم، بل فقط اختلف معكم في الرأي، فكرهتموه. ولأنه كان ندا لكم، صلبا في مخالفتكم، فاضحا زيف ادعاءاتكم، مظهرا خواء فكركم، فلم تستطيعوا النيل منه إلا بعد ان اصبح في ذمة التاريخ، وعاجزا عن توبيخكم.
لقد بينت لهم، يا صديقنا الراحل، كم كنت شوكة قاسية في حلوقهم، وكم كنت صادقا في محبتك لهذا الوطن، الذي حاول هؤلاء إحراقه، ونجحوا في خنق حرياته.
لقد كرهوك لأنك رفضت متاجرتهم بالدين، ورفضت أيضا الكثير من مزايا النائب المالية، ورفضت ان تصرف الدولة على علاجك في الخارج، وبكل هذه الأمور كشفتهم، وكشفت انهم كانوا أكثر المستفيدين من خراب مؤسسات الدولة، فكرهوك.
لك الرحمة، فقد بينت وفاتك حجم الحقد الذي تحتويه اضلعهم، وكم بينت وفاتك المفاجئة حجم ذلك الحقد.
مات نبيل، ولكنه ترك إرثا من بعده سيلاحق هؤلاء الذين شمتوا به وشتموه وهو ميت، وكرهوه، مثلما كرهوا أن تعود الكويت الى ما كانت عليه من محبة وجمال وأدب وخلق.