حتى يضمن الأميركان أمن الصهاينة واستقرارهم، فإن ذلك يلزم أن تتحطم أية قوة عربية أو إسلامية عسكريًّا!
إن جيوشًا عربية مثل جيوش مصر، سورية، اليمن، العراق وسائر الدول العربية أيًّا يكن حجم قوتها، يجب أن تكون في دائرة الضعف والوهن، ومع استبعاد خيارات المواجهة العسكرية مع الصهاينة من جانب العرب والمسلمين، فإن الأمة يجب أن تكون في حالة وهن دائم.
هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى، فمن اللازم أن تنشغل الأمة بصراعاتها المذهبية والتناحر الطائفي بين السنة والشيعة تحديدًا، وبين سائر الأديان والمذاهب والملل مع بعضها بعضاً… إنَّ من الأهمية بمكان، أن تعيش الأمة في صراعها التاريخي المدمر، وهذا ما أشار إليه المفكر البحريني علي محمد فخرو في محاضرة عن تجديد الثقافة ألقاها قبل فترة وجيزة في نادي باربار، بأن الأمة الإسلامية هي الأمة الوحيدة التي يسيطر تاريخها على حاضرها، في إشارة إلى استحضار الخلافات وإبقائها حية تشعل فتيل الفتنة والصدام والتقاتل إلى أبعد مدى كما هو حاصل اليوم، وبذلك، تكون مشاريع التنمية أو أية أفكار للنهضة والتقدم بمثابة أضغاث أحلام! فليس في مقدور مجتمع متناحر مذهبيًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا أن ينجح في النهوض.
إضعاف القوة العسكرية للعرب والمسلمين من جهة، وإشعال الصراعات التاريخية من بوابة المذاهب والفتن من جهة أخرى، أمران ليسا خافيين على الحكومات العربية والإسلامية، وهما مدار بحث طويل وتحذير من جانب السياسيين والمفكرين والمثقفين أخذ عدة أبعاد طوال 6 عقود من الزمن، ومع ذلك، فإن الصورة الأشد وضوحًا في كل مفاصل الأمة هي أن تبقى متناحرة.
في واقعنا اليوم، تتناغم مشاريع الاستكبار والتدمير الصهيونية مع التكفير والإرهاب، ومع شديد الأسف، تتسع دائرة مفرخة الإرهاب أو (الجهاد في صورته الشيطانية المعكوسة نحو داخل الأمة بدلاً من أن يكون نحو العدو)، وفي ذلك دلالة خطيرة على أن الأمة فشلت لسنين طويلة في أن يكون لها خطابها الديني المعتدل ومسارها التعليمي والتربوي الحضاري، وصوتها الإعلامي الوطني الجامع في إطار (الدولة الراعية لكل المكونات)، وبدت عناوين من قبيل: الشعب الواحد – المصير المشترك – النسيج الوطني – الأسرة الواحدة – المواطنة الحقيقة… وغيرها من العناوين وكأنها بهرجات إعلامية لا أكثر ولا أقل.
يُحكى أن الوضع خطير في هذه البقعة من العالم… ولعل من الكتاب العرب الذي تناول الوضع بالتحليل العميق هو الباحث بمركز دراسات الشرق الأوسط في عمان بالمملكة الأردنية الهاشمية وأستاذ العلوم السياسية بجامعة اليرموك أحمد سعيد نوفل في كتابه «دور إسرائيل في تفتيت الوطن العربي»، فهذا الكتاب جدير بالمطالعة والبحث وخصوصًا بالنسبة إلى من «أغراهم تكبير حي على الجهاد ضد بعضهم بعضاً».
يوجز المؤلف نوفل الاستراتيجية الأوروبية الاستعمارية في تأييد قيام «إسرائيل» وتجزئة الوطن العربي، والتقت مع الاستراتيجية الأميركية الحالية، التي تريد تجزئة الوطن العربي من خلال المشاريع الشرق أوسطية التي تقترحها، شارحًا المشروع الذي اقترحه الأميركي الصهيوني برنارد لويس لتقسيم الشرق الأوسط إلى أكثر من 30 دويلة إثنية ومذهبية لحماية المصالح الأميركية وإسرائيل.
إن ذلك المخطط يتضمن تقطيع العراق إلى ثلاث دويلات، وإيران إلى أربع، وسورية إلى ثلاث، والأردن إلى دويلتين، ولبنان إلى خمس دويلات، ولعل صاحب المشروع (برنارد لويس) كان مدركًا أن الأمة يمكن تدميرها من خلال تحويلها إلى كيانات تعصف بها الخلافات والصراعات الطائفية والمذهبية، وفي الخمسين سنة المقبلة على الأقل، سيكون التفوق للصهاينة.
كل ذلك أمام مسمع ومرأى وعلم حكومات العالم العربي والإسلامي، وكأنها أمام كل تلك الكوارث، تقرأ قصة من حكايات ألف ليلة وليلة وكأن الأمر لا يعنيها، وأصدق دليل هو عواصف الفتنة الطائفية التي تنتعش وتنمو برضى تلك الحكومات.