لابد ان نفهم ان الاختلاف في كل شيء هو سنة الله في خلقه، ولله حكمة في ذلك، وهذا لا خلاف عليه اذا كانت النفوس متوافقة امام الواقع الدنيوي، فمن هنا علينا أن نبدأ الرأي وننتهي ايضا.
فمن هذا المنطلق لا بد ان نتعامل مع الكل وفق هذا المنظور الواقعي حتى في شدة الاختلاف والخلافات وإن كانت سياسية ايضا، ولكن بعد وفاة النائب نبيل الفضل «رحمه الله» أدركت حقيقة مرة تكمن في أن هناك اشخاصا فجورهم بالخصومة يعادل قوة زلزال مدمر أجزم بانه لا ينجو منه احد ابدا خاصة مع من يختلفون معهم، وهم انفسهم فرحوا بموته وتشمتوا اكثر من صمتهم يوم هلاك صدام الطاغية، رغم ان الفضل كان مجرد خصم سياسي في ساحة تكتظ بالصراعات والتناقضات ليس اكثر، وللاسف انهم لم يستطيعوا الصمت على الأقل احتراما للموت على انه حق بأمر الله سبحانه!
الفضل سواء نتفق معه او نختلف، هذا الشيء لن يقف امام حقيقة مدوية بأنه اصبح منهجا وحالة سياسية فريدة من نوعها دونها التاريخ وأعجب بها البعض، ولا أعتقد انها ستتكرر في واقعنا السياسي المبني على المجاملات والترضيات والخوف من ردود الافعال المجتمعية، لماذا؟!
باختصار لان هذا الرجل كسر كل القواعد التقليدية في الوصول للبرلمان، فنجح في ثلاثة انتخابات برلمانية من دون دعم قبلي ولا دعم طائفي ولا دعم من تيار سياسي، ولم يضع المقرات الانتخابية ولم يقم الندوات الرنانة المكررة ولم يعد الناخبين بمعاملات ومناصب قيادية ولم يلجأ الى زيارات دواوين دائرته كما كان يفعل كل المرشحين ذلك وباستماتة، حتى ان آخر انتخابات كان يعالج خارج البلاد طول فترة الاجواء الانتخابية ومع ذلك تمكن من النجاح من دون اي مجهود انتخابي وهذا الأمر بحد ذاته قفزة تستحق الوقف بأرضها، كان الرجل يعتمد على فكره الذي كان يطرحه وينقله في مقالاته وفي لقاءات تلفزيونية، وهذا بحد ذاته انتصار سياسي يسجل له ولم يسبقه فيه احد المشتغلين في العمل السياسي.
كانت له جرأته وان رفضها واختلف معها البعض، وانا شخصيا انتقدته كثيرا في عدة مواقف ولم اكن يوما من انصاره ابدا، ولكن الحق يقال كان له فكره وحجته بالطرح وإن كان ساخرا بقسوة لكنه كان يثير اهتمام الكل ودائما ما يكون حديث الشارع السياسي، ولم يخضع لأي هجوم معاكس ولم يطلب هدنة المحارب ولم يخضع لسياسة المجاملات بل معركته مع خصومه كانت واضحة وحتى لو رفضنا قساوة طرحه الا أنه لم يتلون حسب الوان الطيف السياسي المتقلبة بالمصالح الانتخابية بل استمر مدافعا عن رأيه وفكره حتى النفس الأخير خاصة مع خصومه الذين دائما ما يراهم أنهم مجرد دعاة للاصلاح كذبا ونفاقا.
كثيرون هم الذين لا يتفقون مع طرحه ويرون انه طرح هجومي اكثر من اللازم في مجتمع لم يعتد على ذلك على اعتبارات ان المجاملات تتسيد الحالة السياسية الا ان معظم السياسيين يتفقون على انه كان يملك قاعدة شعبية ويعتبر رقما مزلزلا في المعترك السياسي، وكان خصما جبارا ضد خصومه، واستمر في ذلك الى يوم رحيله، وكان مؤمنا بكل مواقفه التي كانت تتسم بقوة غير تقليدية، حتى ان البعض يرى ان قاموسه هو ما يميزه كونه يحمل حقائق واقعية ولكن المجتمع لعدة اعتبارات اجتماعية لا يستطيع التطرق اليها ولا احد يتجرأ ان يعلنها كما كان يفعل بكل جرأة.
رغم انني كنت اختلف مع طرحه في عدة قضايا ألا انني اعترف بأنه كان يملك كاريزما تجذب خصومه قبل مؤيديه ويعتبر مجددا للحالة السياسية الجدلية، وآراؤه كانت دائما ما تقع على الساحة السياسية كالصاعقة وتحديدا على رؤوس المتاجرين بالدين سياسيا، وعلى من يدعي الليبرالية كذبا وتكسبا.