المؤامرة، هي أسهل مُبرر للفشل، يتم استهلاكها في المجتمعات المتخلفة عن الحضارة، حيث تستشري فيها كثيراً، وتلقى صدى واسعاً، ويتمتع دعاتها بالشهرة والقبول من المجتمع، ودائماً ما يرتكز هؤلاء الدعاة إلى سندين، الأول تاريخي متسلسل وغالباً ما يكون مغلوطاً، وثانياً تنبؤات مستقبلية قائمة على وضع تواريخ وأرقام، مثل “سترون بعد نشر هذا المقطع بشهر، أو في هذا التاريخ، أو ذاك اليوم أحداثاً مثل… إلخ”.
تابعتُ حلقة من برنامج على “يوتيوب” يدعى “مؤامرة” على عدة حلقات، آخرها كان عنوانها “حقيقة سناب شات”، وتم رفعها على “يوتيوب” قبل أسبوع فقط، ووصل عدد مشاهداتها إلى خمسة ملايين مشاهد في هذه الفترة القياسية، وتتحدث الحلقة عن إيفان شبيغل مؤسس برنامج “سناب شات” الذي يسحب البساط هذه الأيام من تحت أرجل مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، على الأقل في منطقة الخليج العربي.
وتشير الحلقة إلى أن شبيغل يحمل أحقاداً على المجتمع بسبب نشر صور مخلّة له في فترة مراهقته، مما دفعه إلى تأسيس هذا البرنامج للانتقام من المجتمع كله، وهنا أعود بك عزيزي القارئ إلى الأمر الأول الذي يلجأ إليه دعاة المؤامرة، وهي اللمحة التاريخية المتسلسلة.
واستضافت الحلقة خبيراً تقنياً وبعض النشطاء في مواقع التواصل ليتحدثوا عن تعرضهم للابتزاز من قبل الشركة عبر رسائل بريدية إلكترونية تصلهم، وتحدد 20 يوماً بعد تاريخ نشر المقطع موعداً لحدوث أمر خطير يهدد العالم كله، وهو يوم انتقام المؤسس من العالم أجمع، وهنا نعود مرة أخرى إلى الأمر الآخر الذي يستند عليه أصحاب هذه النظرية وهو التنبؤ “انتظر وسترى”. وفي نهاية الحلقة تم ذكر أن أحداث هذه الحلقة وهمية وغير حقيقية، كان هدفها توعية الناس بأهمية الخصوصية أولاً، وثانياً أن بإمكان الإعلام أن يخلق الأكاذيب، ويفرضها على المشاهد، الحلقة كانت هادفة، وأدعو الجميع إلى مشاهدتها، حيث سجلت خمسة ملايين مشاهدة خلال أسبوع جذب متابعيها العنوان فقط “مؤامرة حقيقة سناب شات”، وقبل هذه الحلقة نُشر فيديو في “واتساب” وباقي مواقع التواصل عن شخص يتحدث عن اليهود، على حد قوله، يتحكمون ببقية العالم كأحجار على رقعة الشطرنج، وكما جرت قواعد النظرية عرضت أولاً لمحة تاريخية عن أحداث سابقة كان يهود يقفون وراءها، ثم جاءت في الفيديو عبارة
“انتظرو يوم ١٥ سبتمبر (الماضي)، وستعصف أزمة اقتصادية كبرى” ودعا الفيديو الجميع إلى سحب أرصدتهم لدى المصارف… إلخ.
في النهاية، لا أحد بإمكانه إنكار المؤامرة، ففي معادلة الأرباح والخسائر ، التي تسير عليها الدول العظمى، جميع قواعد اللعبة متاحة، لا أحد ينكر مُسّلمات، وهي أن منطقتنا العربية تقع في قلب العالم، وهي الرابط بين الشرق والغرب، وفيها 65 في المئة من احتياطي النفط للعالم، لذا تُشكل عصب حياة للعالم، ومهبط الأديان السماوية، ولا أحد يستطيع إنكارها جميعها، ناهيك عن أن مصالح الدول العظمى موجودة في هذه المنطقة وملموسة، ولكن يمكن القول، إن أفضل خدمة يمكن أن أقدمها إلى أي عدو أو متربص أو “مخطط للمؤامرة”، هو إقناع أهل هذه المنطقة بأنهم مجرد أحجار يتم اللعب بها، وممنوع عليهم التقدم والتطور، وعليهم تسليم أنفسهم للواقع، هناك حقيقة وعلينا التعامل معها، وهي “إفشالك هو جزء رئيسي من فشلك”.