هل صحيح أن الكثير من النخب العربية تحمل رؤية دونية تجاه الشعوب العربية؟
بالطبع تتنوع نظرة وفلسفة النخب العربية السياسية والقيادية، ولكن عندما نتفحص النتائج في سلسلة من الدول العربية المفككة يتضح أنه ساد تفكير النخب نظرة دونية تجاه الشعوب والحقوق والمواطن؟ فالكثير من نخب المواقع القيادية التنفيذية المتقدمة تعتبر الشعوب قاصرة غير قابلة للتطور؟
بل تستنتج، ذات النخب أن الفقر والبطالة والتردي سببها الناس التي تتوالد ولا تنتج، لسان حال النخب يؤكد بأنها لا تتقبل أن يكون للاحتكار السياسي الذي تمارسه والفردية التي تثبتها والفساد الذي تعممه ومصادرة الحرية والإبداع والشفافية سبب رئيسي في العنف والإرهاب والاضطراب الإقليمي، وحتماً هناك عوامل أخرى، لكن العوامل الذاتية حاسمة في واقعنا، ونتساءل مع المتسائلين: هل نجح الاستعمار في نقل نظرته الضيقة إلى النخب العربية؟ فقد عرف عن الاستعمار منطلق ثابت مفاده: «الشعوب غير مهيأة للاستقلال؟» بينما يعرف عن النخب العربية منطق مفاده: «الشعوب غير مهيأة لا للحرية وللديمقراطية ولا لحكم نفسها بنفسها ولا حتى للرقابة؟»
ويصح القول إن النخب العربية كانت منهمكة في صراعاتها الذاتية وبالحفاظ على سلطة وبمنع انقلاب وتثبيت تحكم مما منعها من التركيز على احتياجات المجتمع في الارتقاء والتعليم والعدالة والحد من التميز والعنصرية.
عاشت النخب العقد وراء العقد في أبراج فصلتها عن الغالبية الشعبية، أن نكون كعرب اليوم في أدنى السلم في مجالات التعليم والصحة والحريات والعدالة والحقوق والإدارة هو حتماً ليس مسئولية الشعوب.
لقد استوردت نخبناً أنماطاً جميلة للغاية من التكنولوجيا من العالم المتطور، فعممت الإنترنت والحاسوب في كل زاوية ونشرت النظام الرقمي عند كل منعطف، لكنها بنفس الوقت حاربت البحث الحر والمعرفة الشفافة وحرية الرأي والإدارة المهنية، بل فضلت في المقابل تشجيع وتقريب الفئات المتملقة على حساب المضمون، كما فضلت عزل كل فكر نقدي؟ نخبنا استوردت كل أنواع التكنولوجيا المتطورة وأصبحت خبيرة في DNA، لكنها حاربت تلك القيم التي أنتجت هذه التكنولوجيا المتطورة كالحرية والمبادرة والإبداع والتعبير والمسائلة والشفافية والنقد، سيسجل التاريخ بأن النخب العربية القيادية (وإن بدرجات متفاوتة) كانت المسئول الأساسي عن الانهيار العربي.
لقد رفعت الكثير من النخب العربية بعد ثورات الربيع العربي جدران عالية من حولها في محاولة منها لحماية مواقعها، لكن الذي حصل أن هذه الأسوار جاءت متأخرة فتحولت الأسوار لبداية تآكل وانهيار وحروب أهلية، في العديد من الحالات لم تعد النخب ترى أمامها إلا متمردين، فبعض النخب والأنظمة تخشى من شعار صغير ومن كتاب وأغنية، وتخشى من رقصة تعبيرية وأهزوجة تذكرها بثورة مصر أو سورية وليبيا وتونس أو بحركات منطقة الخليج الجديدة.
حديثاً في إحدى الدول العربية منع حفل موسيقي لطلبة الثانوية لأن كلماته لم تكن على مقاس السياسة الرسمية. ربما يحق للنخب أن تتوتر بسبب نقص العدل وضعف التنمية وغياب الشفافية وشدة الاحتكار وموت التوازن.
مع كل ذلك نتفاءل: فالنخبة العربية كما والشعوب بإمكانها أن تكتشف لنفسها طريقاً جديداً، هناك بوادر مغربية في التعديل والإصلاح، وهناك أخرى في تونس تمثل الإصلاح بعد ثورة، وهناك انتخابات جزئية وبلدية لفئات من المجتمع في بلدان عربية خليجية، لكن هذا لا يكفي نسبة لحجم الأحداث وهدير التحولات.
إن النخب العربية التي ستعرف كيف تفتح وتهدم بعض الأسوار الحديد التي شيدتها ستكون الأقدر على لعب دور مفصلي في تقدم شعوب المنطقة.
الإصلاح القادم من الأعلى، أم الغضب المكبوت الصاعد من الأسفل أم من الاثنين معاً هو جوهر علاقة النخبة بمنطقتها في المرحلة القادمة.