كتبنا هذا المقال بمناسبة صدور حكم المحكمة الدستورية ببطلان مرسوم إنشاء «هيئة مكافحة الفساد»!
عرفت الكويت في تاريخها كمّاً من الفضائح والسرقات المالية التي أظهرتها وكأنها عاصمة الفساد في المنطقة، وأعتقد أن الصورة غير واقعية، فمن المنطقي الافتراض أن فساد مَن حولنا أكثر بكثير، وما يجعل وضعنا يبدو بذلك السوء هو الارتفاع النسبي في سقف حريات القول والنشر، الذي سمح بتسليط الضوء على السرقات وكشف المتورطين فيها، وهو الشيء الذي لا يسمح به عادة عند بعض «الشقيقات».
اشتهرنا بقضايا الناقلات، ونهب أموال شركة توراس الاسبانية، وتعويضات «داو كيميكال» والتربح من شراء شركة سانتافي، واختلاسات مكتب الكويت للاستثمار في لندن، واختلاسات التأمينات، وآلاف القضايا الأخرى ما بين هذه وتلك من سرقة وحرمنة مختلفة الأشكال والأحجام! اللافت في الأمر أن كثيراً من الجهات أو الشركات التي كان لــ«الإخوان» و«السلف» علاقة بها لم تسلم من شبهات فساد، ونهب أموال المساهمين أو تضييعها في مشاريع، ثبت تاليا عدم جدواها، كمشروع الوسيلة وشركة م. القابضة، التي تردد انها لجنرالات حسد علاقة بها، والتي باعت أراضي زراعية في مصر، بحجة أنها سكنية، هذا غير سرقة شركة الابراج القابضة، التي صدر بها حكم، وما تردد عن شبهة اختلاسات شركة الامتياز للاستثمار.
وقد كتب الزميل السعودي عبدالله المديفر مقالا ساخرا قبل فترة، ربما يكون من المناسب التذكير به، في ظل أوضاعنا الحالية، أورد فيه وصايا أب فاسد لابنه المُقبل على الفساد، حيث يقول له: يا ولدي، للفساد قواعد تجب مراعاتها، فيجب ألا تكون وحدك، وأن تعمل مع علية القوم. وألا تأخذ من الكيكة أكبر من قطعتك. وكن كريماً يا بني، فالفتات يشجع الفاسدين الصغار لاحضار المزيد منه. ويجب ان تكون محترفا، فالمختلسون البدائيون يذهبون للسجن. ويجب أن تخفي أدلة فسادك، وألا تخجل من الفساد، فهو أكبر امبراطورية. ويجب أن تقيم الحفلات الصاخبة لكبار رجال الدولة، وكلما زاد السهر زاد الفساد.
تحدث عن النزاهة ولا تخجل من سب الفساد، وقدم خدمات جليلة لمحاربي الفساد، وخذ معهم الصور التذكارية، فسيغضون الطرف إن عثروا على ما يدينك، وسيبحثون عن أحجار الفساد، ودورك أن تدلهم على الحجر الصغير في أسفل الوادي، فهذا سيشغلهم عنك.
ابحث يا ولدي عن ذراع إعلامية تساعدك، فالانتهازيون منهم سيختصرون عليك خطوات كثيرة. ولا تقلق من الفساد فهو مرض معدٍ، وصاحب الدخل المحدود الذي تمر الملايين من تحت يده سيضعف يوماً ما، ما دامت الرقابة ضعيفة، فالبيروقراطية بيئة رائعة للفساد، فعن طريقها تعطل مصالح النزيه، وبها تخدم مصالحك.
ابتسم يا ولدي عندما تشاهد عامل القهوة يأخذ أكياس الشاي لمنزله، وعندما يضع الموظف البسيط الأقلام في جيبه. وحاول أن تقنع المسؤول صاحب السلطة أن فساد «الجنس» هو أخطر أنواع الفساد. ولا تكترث بالمثقفين، فهم قبائل ايديولوجية تتطاحن في ما بينها. وأخيراً، يا ولدي لا تنس أن عدوّك الأول هو ضميرك، فدعه نائماً.