يقوم الكاتب David Sakeel بعرض التجربة الأميركية المتطورة من خلال توثيق تاريخ الافلاس الأميركي في كتاب Debt s Dominion. ويتبين لنا من الكتاب المذكور ان النظام الأميركي يرتكز على تقليل الأعباء الادارية الحكومية ويعتمد على مشاركة المحامين بتمثيل الأطراف والتفاوض، وبالمقارنة تقوم التجربة البريطانية بالاعتماد على المحاسبين وتعيين طرف ثالث يقوم بدور الوصي على الشركة المفلسة، ويوضح الكاتب دور أصحاب المصالح وجماعات الضغط المهم في اقرار القانون واستمراره، والجماعة الابرز في اقرار قانون الافلاس سنة 1898 هي رابطة القانون التجاري Commercial Law League. وتمثل هذه الرابطة التوجه أو الفرع القانوني للغرف التجارية في ذلك الوقت. وشاركت منظمة المحامين الأميركية American Bar Association في مرحلة ما بعد اقرار القانون وساهمت في توفير الخبراء والمحامين الذين يساعدون في ترسيخ القانون الى اليوم.
وتطور نظام الافلاس الأميركي من خلال افلاس شركات القطارات أو سكك الحديد في القرن التاسع عشر، وبسبب أهمية تلك الشركات وتوسعها في الولايات الأميركية، كان لا بد من تطور نظام يحمي استمرار تلك الشركات في العمل، لانه في حال توقفها يكون هناك أثر سلبي على الشركات التجارية الأخرى والأفراد الذين يعتمدون على النقل، وقامت المحاكم الأميركية بتطوير آليات مستمدة من قضايا الرهن العقاري، وكانت عملية الافلاس تبدأ بقيام أحد الدائنين بايداع فاتورة أو صك مستحق الدفع ومتأخر في السداد. وتقوم المحكمة عندها بتعيين حارس قضائي لوقف جميع المطالبات على الشركة. وبعدها تقوم المفاوضات بين الدائنين والشركة لتفادي بيع الأصول، وفي حال لم يتفقوا، يتم بيع الأصول في المزاد العلني، ويتم تسوية الديون وتستمر الشركة بالعمل.
وفي القانون الحالي، تبدأ المفاوضات باشراف قاضي افلاس، ويقوم الدائنون بتشكيل لجان لتمثيل شرائح الدائنين (البنوك، الموردين، السندات، الأسهم الممتازة، الأسهم العادية وغيرها)، ويقوم حاملو السندات والأسهم بايداع وثائقهم وفواتيرهم لدى ممثلي لجان الشرائح الرئيسية، وبعدها تتم المفاوضات، وفي حال عدم موافقة أي دائن يستطيع سحب وثائقه الى ان يصلوا الى اتفاق يرضي ثلثي الاطراف، ويضع القاضي سعرا أدنى منخفضا لبيع الشركة في المزاد العلني بحيث يخسر صغار الدائنين نسبة تصل الى %90 من اموالهم. وهذا يجعلهم اكثر قابلية للمشاركة الفاعلة والموافقة على خطة اعادة الهيكلة، ثم يتم تشكيل شركة جديدة وإيداع جميع الوثائق فيها لاستخدامها بشراء الشركة القديمة. والهدف من هذه المفاوضات هو تقليل حجم الالتزامات على الشركة الجديدة لتستطيع العمل بنجاح بعد خطة اعادة الهيكلة. وقد يتم تغيير الالتزامات من ثابتة الى متغيرة او تقليل فائدة الديون او زيادة مدة السداد. وخلال فترة الحراسة القضائية، يتم اصدار سندات من الحارس القضائي للموردين المهمين لاستمرار الشركة والذين قد لا يرغبون في الاستمرار بتوفير تسهيلات والدخول في عملية إعادة الهيكلة.
ومن القراءة السابقة يتبين الحاجة لقوانين الإفلاس لتحقيق الأهداف التالية:
أ – تحقيق العدالة بين الدائنين والتقليل من قدرة الشركة على المحاباة بين الدائنين.
ب – إقرار هدنة لتقليل الضغط المتراكم على الشركة وإيقاف القضايا والدعاوى القانونية.
ج – إعطاء فرصة جديدة للنجاح بعد الإفلاس.
ويتبين لنا مبادئ مهمة يجب أن يتم الاعتماد عليها لإقرار قوانين إفلاس في المستقبل:
1 – يختار المدير الحالي بين تسييل الأصول أو الاستمرار.
2 – يعطى المدير فترة حصرية محدودة exclusivity لتقديم خطة إعادة هيكلة.
3 – تشكيل مجموعات الدائنين classes للتفاوض.
4 – القدرة على إلغاء القرارات المالية قبل مدة محددة من الإفلاس.
5 – قدرة الدائنين على طلب الإفلاس في حال تأخر التحصيل أكثر من مدة محددة.
6 – يقرر القاضي عدم دفع أموال لمجموعات الدائنين الأدنى cramdown.
7 – السرعة مطلوبة وتقليل التكاليف لحماية الأصول الموجودة.
التوصية
إقرار قانون الإفلاس يزيد الثقة في التعامل مع الشركات الكويتية، ويخلق بيئة تشجّع العمل والتعامل التجاري. لذلك نقترح تشكيل شركة غير ربحية بين المؤسسات غير الحكومية التي لها مصلحة مباشرة مثل جمعية المحامين وغرفة التجارة واتحاد المصارف وشركات الاستثمار وآخرين. السعي لإقرار قانون عادل ينظم عمليات الإفلاس بين الدائنين والشركات والأشخاص. توفير المعلومات للإعلام ولأصحاب القرار من الحكومة والمشرعين وغيرهم المهتمين بهذا الموضوع.
آخر مقالات الكاتب:
- مجموعة الشايع نموذج نجاح كويتي.. عالمي
- إدارة الأموال العامة وضبط المصروفات
- ملاحظات على إدارة الدين العام
- تطبيق دعم العمالة على جميع الشركات المحلية
- كيف ندمر ٣٠ ألف فرصة عمل؟!
- اقتراحات إضافية لمشروع قانون الإعسار والإفلاس
- كيف نخلق 25 ألف فرصة عمل سنوياً؟
- «من شراك باعك»
- هذه هي تحديات الكويت الاقتصادية
- وقع المحظور الذي حذَّرنا منه