عودة قضية “الداو” إلى السطح من جديد لا تعدو عن كونها فصلا آخر للصراع السياسي وفرصة لتبادل الاتهامات بين بعض التيارات والشخصيات والمسؤولين الحكوميين، و”الداو” هنا مجرد أداة للضرب تحت الحزام وخدمة على طبق من ذهب للحكومة التي تقف مرتاحة جداً بالتفرج على الفخار وهو يكسر بعضه.
أيضاً إثارة موضوع “الداو” في هذا الوقت قد تخدم تسليط الضوء على مجلس الأمة وبعض النواب بعد أن نسيهم الناس، ولم يعودوا يشكلون أي فارق في المشهد الكويتي أو ضمن اهتمامات المواطنين، ولذلك ليس من المستغرب أن تتهيج التصريحات والتعليقات والتغريدات وحتى المقابلات التلفزيونية المطولة وتتدخل في أدّق التفاصيل الفنية من أشخاص لا يملكون من الدراية أو الاختصاص شيئاً، ليبقى البعد السياسي والشخصي طاغياً على الموقف.
الجدل والنقاش حول صفقة “الداو” الملغاة والتي تسببّت بخسارة قدرها 2.1 مليار دولار كغرامة على الجانب الكويتي يدار اليوم بعقلية الوضع السياسي السائد في أواخر عام 2015، والاختلاف الحاد في المواقف السياسية والترقب والاستعداد لانتخابات 2017 المقبلة بمعطيات وظروف عامي 2007 و2008، وخاصة في ظل تشكيلة البرلمان وحكومة الشيخ ناصر المحمد في ذلك الوقت.
الصراع على قضية “الداو” اليوم يمر عبر التباين الطارئ على مجموعة الأغلبية المبطلة لا سيما الإخوان المسلمين والتكتل الشعبي والموقف من المشاركة في الانتخابات القادمة وفق مرسوم الصوت الواحد، والشكل الثاني من هذا الصراع يتم من خلال اتهام الشخصيات النفطية في وقت إبرام الصفقة ثم إلغائها تبعاً للتيارات السياسية أو التكتلات التجارية التي تتعاطف معها، أما النوع الأخير من هذا الصراع فيستهدف تحميل أعضاء مجلس الأمة مسؤولية إلغاء الصفقة وتكبّد الخزينة العامة خسارة الغرامة المالية الكبيرة.
العامل المشترك في مستويات هذا الصراع هو مصطلح الفاسدين والمفسدين، وهنا تكمن الكلمة السحرية، فمن يستبق رفع هذا الشعار فقد ينجح في إضفاء صك البراءة والنزاهة والوطنية على نفسه، ويلصق هذه التهمة ذات التفاعل الشعبي الواسع بخصومه السياسيين، وهذا مسعى جديد لخلط الأوراق وإضعاف قيمة الفساد الذي طالما كان عامل نجاح في الفرز السياسي ومعاقبة الأشرار عبر صناديق الاقتراع!
إن طريق تحميل المسؤولية السياسية على فضيحة “الداو” واضح كالشمس، فلا مجلس الأمة بكامل أعضائه ولا المسؤولون التنفيذيون في الدولة، مهما علت مراتبهم، لهم الصلاحية الإدارية أو القانونية في إبرام صفقة كهذه أو إلغائها، ويبقى القرار الأخير بيد الحكومة ورئيسها، أما وجود ضغوط من النواب أو تهديد بالاستجواب فهذا تبرير الضحك على الذقون، فطالما ضربت الحكومة عرض الحائط بإجماع مجلس الأمة أو حلت البرلمان بجرة قلم لقضايا أقل بكثير من صفقة “الداو”، فالسر في كل القضية أن الحكومة وقّعت الصفقة مع “الداو كيميكال” قبل انتهاء المدة القانونية بساعات قليلة لتدخل الشرط الجزائي حيّز التنفيذ، وبعد ذلك بساعات أيضاً ألغت الصفقة، فلماذا كل هذا اللف والدوران؟!