مع ما نمر به اليوم كمواطنين من تهميش وسلب للحقوق وتكميم للأفواه، وحالة بالمجمل يرثى لها، قد لا تكون قضية التعليم المشترك أو منع الاختلاط، كما تصر على تسميتها الفرق الدينية، أولوية أو قضية مركزية ستنتشلنا من الدوامة التي أجبرنا على العيش فيها، إلا أنها تعتبر إحدى القضايا المهمة التي تبين لنا عطش القوى الدينية لفرض وصاياها على المجتمع باعتبارها الأفقه والأعلم في إدارة أمورنا وحياتنا، وحمايتنا من الفساد والرذيلة!
هذا العطش بعد أن روي بإقرار القانون وتشريعه، تحول اليوم إلى أسلوب مغاير يعتمد على طرح علمي دراسي بحثي يثبت أفضلية التعليم المنفصل عن إشراك الجنسين فيه، كذلك يحمل قانون فصل التعليم الكثير من المخالفات الدستورية الواضحة التي تخص حرية الفرد والتمييز العنصري، عدا عن أنه يشكل أيضاً عبئاً اقتصادياً على الدولة يمكن تفاديه في حال إلغائه، كما صرح وزير التربية، كذلك له تبعات وتأثير سلبي على الطلاب والطالبات.
سوءة هذا القانون تبدأ من الطريق والنهج المتبع من قبل قوى الإسلام السياسي في الترويج له سابقاً، والدفاع عنه لاحقاً، حيث إنها تسابقت لتوجيه أبشع الأوصاف وأقذعها على كل مؤيد «للاختلاط» على حد تعبيرهم، فكان الطالب الرافض لفصل التعليم منحلاً أخلاقياً، وداعياً للفساد، والطالبة المؤيدة لتعليم مشترك بين الجنسين فاسقة ومفلسة فكرياً وأخلاقياً، أو كما صرحت إحدى الجمعيات الإسلامية بأن الشك يتزايد في الزوجة التي درست في مؤسسات مختلطة قبل الزواج! وعلى هذا السياق، فإن التشكيك لا يطال فقط الطلاب والطالبات، بل جميعنا، لأنه لا يمكن ترك وتناسي واقع الحياة «المختلط» في المؤسسات الحكومية والوزارات والمجمعات وكل موطئ قدم في هذا البلد الخالي والبعيد عما هزجت به أصواتهم من انحلال أخلاقي وفساد وفجور.
ثم نأتي بعد ذلك لمخلفات هذا القانون، فنرى سلبه لحرية الناس في اختيار نوع تعليمهم، وكسره روابط المساواة بينهم، وضرب مبدأ تكافؤ الفرص بعرض الحائط، وخلق مناخ يسوده التمييز العنصري بين الجنسين، وفي هذا كله مخالفة للدستور في مواده 7 و8 و29.
اليوم، كمواطنين دافعين باتجاه إلغاء القانون سيئ الذكر، ورفض فرض الوصايا علينا، وإفساح المجال لنا لممارسة حريتنا في اختيار ما نراه مناسباً لنا، لا ما يرون هم، لا يعني أيضا الدفع نحو إقصاء الآخر وسلب حرياته، وفرض توجهاتنا وآرائنا عليه، فكما أننا نملك مطلق الحرية باختيار تعليم مشترك، كذلك يملكون هم حريتهم في اختيار فصله، فالتعميم بكلتا حالتيه أمر مرفوض وخاطئ، وهنا يأتي دور الدولة بتوفير المساحة الكافية لبناء مؤسسات أكاديمية مشتركة ومنفصلة، كما هو حاصل في العديد من الدول، وبذلك نكون قد ساهمنا في تعزيز حرية الأفراد، وأوصلنا أنفسنا لبوابة الخروج من الدائرة التي ندور في فلكها اليوم.