ثلاث نقاط واضحة جاءت في خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في افتتاح قمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهي تتوزع في المحاور الرئيسة الأساسية الأمن والتنمية والتعاون، لكن اللافت للنظر هذه المرة أن الملك قد أحاط كل هذا بسياج واضح من ضرورة انعكاس كل ذلك على المواطن في دول مجلس التعاون، وأن يلمس أثرها وثمراتها في حياته اليومية. سيبقى الأمن هاجسا كبيرا أمام قادة وشعوب المنطقة وعلينا اليوم جميعا مسؤولية تاريخية كبرى. فما صنعه الأجداد والآباء لنا من مجد ومن دول متعاونة متجاورة يقابل اليوم تهديدات واسعة لخصها خطاب الملك في الأطماع الكبيرة، ولهذا يجب علينا أن نتحلى بما تحلى به الآباء عندما صنعوا هذا المجد. الثقة بالله ثم الحزم والشجاعة هي السبيل نحو صرف كل المطامع عنا، وأن يعي الجميع من حولنا أننا لن نكون لقمة سائغة أمام من يريد أن يستبد ويعربد في المنطقة، ولعلنا نتذكر هنا عبارة الملك المؤسس – رحمه الله – وهو يقول إن الحزم أبو العزم أبو الظفرات وهو الشعار الذي رفعه التحالف العربي وهو يعمل على استنقاذ اليمن من مستنقع الأطماع الذي فتك به.
ومن اللافت للانتباه تلك العبارة القوية التي يؤكد فيها الملك أنه يجب على القادة والحكومات في مجلس التعاون أن تعمل على تلبية طموحات الشعوب في المنطقة، وهذا يحتاج إلى تقييم الموقف الحالي وتحديد البوصلة للتحركات المستقبلية وأيضا تقييم تجربة التعاون الخليجي حتى الآن، وللحقيقة فقد أثبتت تجربة التعاون الخليجي نجاحات مثمرة جدا في التعاون الأمني فتجربة الحرب العراقية الإيرانية وما جاء بعدها من احتلال الكويت، ثم الأزمة التي مرت بها الدول مع الثورات العربية، وأخيرا الدعم الكبير الذي لقيته الشرعية في اليمن من قبل القوات الخليجية والتجربة العسكرية التي ظهرت هناك كلها تشير إلى أن التعاون في دول الخليج العربية مثمر جدا ويحقق الكثير من الإنجازات في الأمن المشترك. ولقد استطعنا في دول المجلس أن نطور ذكاء اجتماعيا يتناسب مع المرحلة التي نمر بها خاصة مع التهديدات والتدخلات الإيرانية في شؤون الدول العربية. واليوم يشعر أبناء دول الخليج العربية بالكثير من التضامن المشترك والمصير الواحد والثقة بالقادة وهذا إنجاز ثمين جدا.
وإذا كنا وصلنا إلى هذا التقدم البارز في المجال الأمني والعسكري وأيضا هناك نجاحات بارزة في العمل الجمركي الموحد، لكننا لم نزل بعيدين في مجالات التنمية المشتركة، لا تزال التنافسية سيدة الموقف في هذا المجال، والعمل الفردي والاستقطاب حاد في هذا الجانب. ولعل هذه أهم نقطة نحتاج إليها لنفهم عبارة الملك وهو يطالب الجميع بالعمل على مقابلة طموحات الشعوب، فمشكلاتنا الاقتصادية قريبة من بعضها البعض، ونحن نواجه التحديات نفسها تقريبا ولدينا المنافذ البحرية والبرية نفسها وأيضا لدينا القضايا نفسها في مشكلات العمالة والتوطين. نعاني التأزم نفسه في هياكلنا الصناعية، ولدينا المشكلات نفسها مع أنظمة التجارة العالمية والمنظمات الدولية والاتحادات التجارية حول العالم، ورغم كل هذا وأن فرص التكامل الاقتصادي بارزة جدا، لكننا لم نزل نخضع لضغوط التقسيم والتقزيم وتغليب حظوظ الذات على العمل الجماعي المشترك. ورغم بروز تجارب ناجحة لشركات مؤسسة من فريق واسع من أبناء الخليج لكنها لم تزل محدودة وغير نموذجية ولم تزل أسواقنا المالية بعيدة عن بعضها البعض ومعزولة بشكل مقلق. نحتاج إذا أن نجعل طموحات الشعوب تقودنا نحو العمل فهي وحدها قادرة على تغليب المصالح المشتركة وهي وحدها القادرة على جعل الموارد الكبرى في المنطقة والموزعة بين الجميع تدار بذكاء جمعي قادر على الاستفادة من التعاون المشترك لبناء مستقبل دول الخليج العربية والنجاحات هنا معناها النجاح في باقي الدول العربية.
آخر مقالات الكاتب:
- اقتصاديات التعلم الإلكتروني
- تراجع النمو في سنغافورة
- ضريبة السلع الانتقائية في دول مجلس التعاون
- اقتصاديات التصويت في الانتخابات
- ماذا يحدث لفنزويلا؟
- «جاستا» وما أدراك ما «جاستا»
- ما مغزى الاتفاق الأخير بين الصين والسعودية؟
- هل هي بداية الانتكاسة لسياسات الخصخصة في العالم؟
- المخاطر الاقتصادية لقرصنة الأدمغة
- بالون ديون العالم .. إلى أين؟