بالعكس يفترض أن نشكر الوزير الشيخ محمد العبدالله على لقائه التلفزيوني في قناة المجلس، حين فسر الرأي المخالف والمعارض- وكأنه يوجد بالفعل رأي معارض جدي يعبر عن قضية أصحابه دون التهديد بسيف السجن أو بالعقوبات العنترية مثل سحب الجناسي – بأنه أمر طبيعي عند الإنسان الكويتي (ضمنا في خطاب الشيخ الوزير هو الإنسان المترهل المدلل، المتصدق عليه من الماما حكومة حسب مفاهيم الشيخ الوزير) الذي يشرب قهوته من ماء الحكومة ويأكل من تموين حكومي ويتلقى دعماً حكومياً…!
الوزير الشيخ، أو أفضل أن أقول الشيخ الوزير، بحكم الامتياز المشيخي، لم يبتدع أمراً جديداً في مدرسة الثقافة المشيخية ونظرتها المتعالية للناس، فالشيخ الوزير يقرر بأسى حزين وحسرة مستغرباً أن يمارس الكويتي النقد، طالما هو “مرتزق” في جيش الصدقات، ويترزق من ضرع الحكومة… التي “ما قصرت” معاه.
لماذا يفترض أن نكون من الشاكرين للشيخ الوزير؟! لأنه ببساطة، مثله مثل ابن عمه الشيخ اللواء مازن الجراح، ففي رؤية الأخير لمفهوم الجنسية الكويتية، يوضح لنا نظرة السلطة الحاكمة للمواطن، كيف تقرأ المواطن، وكيف تفهمه وتقيم مواطنته وانتماءه… بالنسبة لها (السلطة المشيخية) المواطن هو الشخص المتلقي “لبركات” النفط وخيرات الأريحية الحكومية دون مقابل، هذا المقابل المادي والخدماتي الذي وفرته الدولة، مع ملاحظة أن الدولة هنا تختزل بالحكومة والحكومة بدورها تختزل بالأسرة الحاكمة، يفرض على المواطن، كما يريد الشيخ الوزير، أن يكون شاكراً للحكومة لا منتقداً، يفترض أن يكون موالياً وليس معارضاً، يجب أن يكون مادحاً وليس ساخطاً، عليه التزام وقيد العرفان لهذه الحكومة الحاتمية، لا أن يرد لها جزاء سنمار…
بتلك النظرة المتغطرسة، التي تحدث بها الشيخ محمد العبدالله بكل بساطة وعفوية، نحو المواطن “المعارض” المستسهل للنقد، يمكننا أن نستنتج كيف تفهم السلطة فكرة المواطنة، التي هي عندها تتلخص بعلاقة واهب (الدولة، الحكومة، السلطة) وموهوب له، فهي ليست علاقة تبادلية تقوم على تراض بين الطرفين، قوامه الانتماء للأرض والتاريخ ويقرر حقوقاً والتزامات متقابلة بين السلطة والشعب ليس للسلطة أن تنقضها بإرادتها المنفردة، وليس للمواطن أن يخل بالتزامه بالولاء للدولة.
المواطنة بمفهوم محمد العبدالله، وأيضاً قبله عند مازن الجراح، تصبح سلعة مادية، تفرض “التزاماً” مطلقاً على طرف واحد، هو المواطن، مضمونه الصمت والولاء المطلق للحكومة، مهما تفعل، ومهما تنحرف، ومهما تتجاوز سلطاتها، ومهما تهمل في “واجباتها” نحو المواطنين. كلمة “واجب” التي تعني التزاماً دستورياً على سلطة الحكم نحو المواطن، ليست هي الكلمة التي تدركها السلطة، فهي حين تهب المال بدعم “الماجلة” وماء القهوة والكهرباء، وتتصدق قبل ذلك بالجناسي على المواطنين، ليس عليها واجب، بل هي تتكرم وتتبرع، لذا إذا تمرد المواطن، ولم “يحب إيده مقلوبة” يمكن أن تفتح له ملفاً في سجل عقوبات نقض الجنسية دون رقابة قضائية، كما تضمن لقاء الشيخ مازن الجراح…!
ليس من هم السلطة الآن، وبعد محنة تدهور سعر النفط، أن تعيد قراءة واقع الدولة الريعي، وهي التي خلقته بداية، كأن تعيد حساباتها لتصحيح هذا الواقع المزري، وتثبت الحقوق المدنية والسياسية الدستورية كاملة للمواطن مع قيامها بمحاسبة جدية وليست شكلية لدوائر الفساد وصفقات العمولات للمؤلفة قلوبهم التي تحيط بها. لا يبدو ذلك من همومها الحالية، فقضاياها اليوم، وكل يوم، هي تتبع المغردين، وملاحقة المعارضين، وإخراس المنتقدين لتوطين الفساد الرسمي… همها أن يكون المواطن شاكراً على “عطاياها” وكرمها، الذي وضع السلطة الآن في محنة عجزها القادم لا محالة من استمرار دعم “الماجلة، وماي القهوة والكهربة”، تريد الآن أن تتوقف وتخفف من تلك الأريحية، لكن بالوقت ذاته على المواطن أن يصمت ولا يتذمر، أعتقد هذا ما كان يريد أن يقوله لنا الشيخ الوزير… فشكراً لك يا شيخ، نحن نفهم رسالتك (م) ولو لم تتحدث (وا) بها صراحة…