أثناء قيام عالم الآثار البريطاني هورموزد رسام بحفرياته عام 1879 في بابل لحساب المتحف البريطاني، خلال فترة حكم العثمانيين للعراق، عثر على قطعة طينية مستطيلة ودائرية على شكل أسطوانة، عرفت لاحقا بـ«اسطوانة سايروس»Cyrus Cylinder، تبين بعدها أن ما دون عليها مبادئ قيام أول مجتمع متعدد الديانات والثقافات في التاريخ، وبأمر الملك الفارسي «سايروس»، الذي كان يحكم العراق، وكانت أول تطبيق لمبادئ حقوق الإنسان، وكان ذلك قبل اكثر من 2500 عام.
ويوجد هذا الأثر الإنساني المهم حاليا في متحف «بول غيتي» بأميركا، على سبيل الإعارة من المتحف البريطاني.
يعتبر سايروس أو كورش الكبير، أول وأعظم ملوك فارس، وقد امتدت إمبراطوريته من عام 550 قبل الميلاد، وحتى 529 ق.م. أسس، خلالها لقيام اول دولة استعمارية في التاريخ وصلت حدودها لتشمل آسيا الصغرى، أو ميديا، وهي منطقة تركيا الحالية، وحتى بلاد السند، باكستان حاليا، وغربا حتى ليبيا الحالية، مرورا بالعراق ومصر.
ورد في تاريخ سايروس أنه اكتشف بعد قضائه على ملوك بابل، أن يهودها وغيرهم من الأقليات يعانون كثيراً من ظلم الأغلبية البابلية، فأصدر «مرسوما ملكيا»، دوّن نصه على تلك الاسطوانة، سمح فيه بأن تحكم المناطق التابعة له ذاتيا. كما أتاح لسكانها ممارسة عقائدهم بحرية تامة، وبالتالي خلق، بأمر ملكي، مجتمعاً متعدد الثقافات والديانات. كما قام بإطلاق سراح كل «المعتقلين السياسيين» من سجون ملوك بابل، لذا نجد أن لسايروس مكانة كبيرة في التاريخ والعقيدة اليهودية، فقد أثنت عليه كتب العهد القديم، ووصفه مؤرخ اليونان هيرودت بالمروءة والفتوة والسماحة والكرم والصفح وقلة الحرص والرحمة والرأفة.
كما كانت لـ«مبادئ» سايروس تأثير كبير في كثير من دساتير العالم، وفي الآباء المؤسسين، من واضعي الدستور الأميركي، وبالذات توماس جيفرسون، الذي يقال إنه اهتدى بمبادئ سايروس في التأسيس لقيام دولة عصرية، متعددة الثقافات والديانات، كما نراه الآن في غالبية الدول الغربية.
ولا ننسى في هذه العجالة أن نذكر أن مكتشف الحجر، البريطاني هورموزد رسام، Hormuzd Rassam، عراقي اشوري، ولد في الموصل عام 1826، وتوفي في بريطانيا عام 1910، تاركا مكتشفات أثرية عدة، منها الألواح الطينية التي دونت عليها ملحمة «جلجامش»، التي تعتبر اقدم أثر أدبي بشري.
المؤلم أن لا العراقيين يودون تذكر الموصلي «هورموزد رسام»، وتخليد ذكراه، ولا الإيرانيين يودون من يذكرهم بما دوّنه أعظم ملوكهم على اسطوانته من مبادئ انسانية خالدة، ولكل طرف اسبابه في هذا التجاهل المتعمد!