عندما تم التسويق السياسي لنظام الصوت الواحد وضعت الشمس في يد والقمر في اليد الأخرى كبوابة للتنمية والاستقرار وترشيد الديمقراطية وانتشال الأداء السياسي من مستنقع الطائفية والفئوية وإعطاء الحكومة فرصة للعمل والإنجاز وغير ذلك من الآمال العريضة، واشترى نصف المجتمع الكويتي هذه التمنيات إما بحثاً عن مستقبل سياسي أفضل أو نكاية بالمعارضة والحراك الشعبي.
يوماً بعد يوم تنكشف مثالب النظام الجديد وتتضح عيوبه ويتحسر على تأييده من تأمل فيه الخير، ويتبين أن مشاكلنا السياسية لم تتغير في مضمونها، ولم تتبدل آلية علاجها ولم تتطور سبل مواجهتها، بل زادت إفرازاتها سوءاً ونتائجها سلباً، وتعمقت بسببها حالة التردي في البلد أكثر وأكثر.
الصوت الواحد لم يحد من حالة الاستقطاب والتراشق النابي وتدني لغة الحوار تحت قبة البرلمان، ولم يصقل شخصية بعض النواب كممثلين للأمة فتركوا العمل النيابي وانشغلوا بالناس بدوافع شخصانية لدرجة أن أدينوا بتهم السب والقذف وشق الوحدة الوطنية على مستوى القضاء.
الصوت الواحد لم يطور فلسفة التشريع وآليات عمله، فاستمرت طريقة سلق القوانين وضعفها التشريعي وقيمتها في توجيه السياسة العامة للدولة وسد الفراغ القانوني في مختلف القطاعات، ولم يعد مجلس الأمة صمام أمان للحريات العامة، بل تحول إلى مقصلة ضد التعبير عن الرأي السياسي، في حين لم يحرك ساكناً في جرائم الإخلال بالوحدة الوطنية وحماية النسيج المجتمعي.
الصوت الواحد لم يعالج القصور في الرقابة البرلمانية، فتفاقمت مؤشرات الفساد والهدر في الأموال العامة وسوء الاستغلال في التعيينات القيادية وفق محاصصات سياسية مكشوفة ومسكوت عنها رغم تراجع أسعار النفط بنسبة 60% وتفكير الحكومة في فرض الرسوم والضرائب على الناس والفشل الواضح في الارتقاء بمستوى الخدمات.
الصوت الواحد لم يعالج العلاقة بين المجلس والحكومة، فبعد استقالة وزير الأشغال وتدوير وزير النفط والتكليف الإضافي لوزيري المالية والدولة تكون الوزارة الحالية أمام ثاني تعديل بعد أشهر من التعديل الأول في عمر هذا المجلس الذي دخل عامه الثالث، وكثرة الاستجوابات والتلويح بها أصبحت ظاهرة مكررة أيضاً كالمجالس السابقة، وطريقة تعاطي الحكومة مع هذه الاستجوابات لم تتغير كما كان في الحلم الوردي، حيث الالتفاف عليها بالاستقالة أو التدوير أو التعديل الوزاري، ليظل الوزراء مجرد موظفين كبار يتم تحريكهم مسلوبي الإرادة والموقف.
أمام هذه الشواهد المتكررة لا يمكن القول إن النظام الانتخابي قد فشل سياسياً لأنه ولد ميتاً أصلاً بل لم يكن هو الحل في إنقاذ الديمقراطية من الأساس، ولا بد من البحث عن الأسباب الحقيقية لمشاكلنا السياسية والكامنة في ثقافتنا المجتمعية وفي عقلية الإدارة الحكومية، ومثل هذه الأسباب لم تعالج منذ عام 1963 إلى الآن رغم التغييرات الكثيرة على النظام الانتخابي التي لم تسمن ولم تغن من جوع!