في قصيدته الشهيرة (الحرامي)، أوجز الشاعر عبدالرحمن بن مساعد في نسق لغوي بسيط يسير ما تعاني منه الكثير من بلدان العالم العربي والإسلامي… إنهم اللصوص والمفسدون والحرامية الذين أصبحنا نكتشفهم اليوم بسهولة، خصوصاً في مجتمعات تعاني من الفساد، لكن ليس بها مفسدون!
احترامي للحرامي صاحب المجد العصامي… صبر مع حنكة وحيطة… وابتدأ بسرقة بسيطة… وبعدها بسرقة بسيطة… بعدها تعدى محيطه وصار في الصف الأمامي… احترامي للحرامي صاحب المجد العصامي… صاحب النفس العفيفة… صاحب اليد النظيفة… جاب هالثروة المخيفة من معاشه في الوظيفة… وصار في الصف الأمامي… احترامي للحرامي…
احترامي للحرامي صاحب المجد العصامي… يولي تطبيق النظام أولوية واهتمام… ما يقرب للحرام… إلا في جنح الظلام… صار في الصف الأمامي… احترامي للحرامي… يسرق بهمة دؤوبة… يكدح ويملأ جيوبه… يعرق ويرجى المثوبة… ما يخاف من العقوبة… صار في الصف الأمامي… احترامي للحرامي.
صار يحكي في الفضا… عن نزاهة ما مضى… وكيف آمن بالقضا… وغير حقه ما ارتضى… صار في الصف الأمامي… احترامي للنكوص عن قوانين ونصوص… احترامي للفساد وأكل أموال العباد… والجشع والازدياد والتحول في البلاد… من عمومي للخصوص… احترامي للصوص.
انتهى الاقتباس من القصيدة، ويبدو أننا كمواطنين في هذه الأمة المتدهورة أصبحنا في حيرة من أمرنا أمام أشكال الحرامية واللصوص والمفسدين وكلهم يتحدث باسم الدين والأمانة والشرف والأخلاق والوطنية ومع شديد الأسف، يصدقهم حشد هائل من أبناء الأمة بل ولا يرضون عليهم، حتى وإن علموا بأنهم أقطاب من الفساد واللصوصية والخيانة والطائفية والدونية.
فاحترامي للحرامي… احترامي للفساد… احترامي للذي أفسد قرباً وابتعاد… له في الزهد صوامع… وله في الحرب صولات بأسياف لوامع… يغرف الأموال من قوت العباد… ثم يهتف صارخاً: تبّاً لأسياد الفساد… صار من خير الأنام… يجبر عثرات الكرام… وهو رمز للئام.
احترامي للمدبر… صاحب العقل المفكر… فيجيد الخوض في الغث وبالرث يُنظر… ويرى البلدان في خطب جلل… ويحذر من أساسات الخلل… وهو من أصل العلل… يعشق الفتنة والتدمير بين الناس من كل الملل… صار عراب المصائر… في الفضائيات أو في ندوات الزيف تغريه المنابر… احترامي للوضيع… صاحب الوجه الشنيع.
احترامي للذي أعلن في الناس نفيراً للجهاد… جمع الأموال بالآلاف من أجل المساكين وسيل النازحين… ثم أسرى بالبشارات… بنى تلك العمارات… نسي أن يشتري للجائع كيلو طحين… احترامي للمتين… صاحب البطن السمين… ليس في بطنه ثروة… بل هموم البائسين… صار في الصف الأمامي… احترامي للحرامي.
احترامي للذي يهوى المواطن… ويشد العزم في كل المواطن… وإذا ما حل خطب لجموع الغاضبين… قال يا قومي أنا منكم وفيكم… اقصدوني… وثقوا في قدرتي… سأعطيكم كلاماً لا يصدق… فأنا لست سوى بوقٌ كبير… صار رمزاً للحقير… وله الأبله والأحمق والنذل يُصفق.
احترامي للمنافق… وهو من نفسه واثق… يخدع الناس بمعسول الكلام… ويبادر بالسلام… احترامي للذي يخطب في القوم بأذكار وآيات وأمثال حكيمة… ثم يكويهم بنار من جحيمه… يسند الباطل والحق غريمه… ويحب الطائفية… بميول جاهلية… للأسف… صار في الصف الأمامي…