فقدت الكويت اثنين من أبنائها البررة، فشكّلت وفاتهما في نفس اليوم خسارة لرموز العمل الوطني ومصداقية العمل السياسي والثبات على المبادئ التي اختاراها في مسيرتهما البرلمانية، وهما العم يوسف المخلد والدكتور ناصر صرخوه، تغمدهما الله بواسع رحمته، وجزاهما عنا وعن هذا البلد كل خير.
المرحوم يوسف المخلد من أركان الديمقراطية الحديثة، حيث انتُخِب في أول برلمان كويتي بعد الاستقلال، واستمر في العمل النيابي عدة دورات لاحقة، آخرها مجلس 1985، بالإضافة إلى عضويته في المجلس التأسيسي الذي أصدر الدستور الكويتي وفتح عهد الديمقراطية الكويتية.
المرحوم الدكتور ناصر صرخوه كان من جيل الشباب الذين غيروا مسار العمل البرلماني مع مطلع ثمانينيات القرن الماضي، عندما فشلت محاولة تنقيح الدستور وتجريده من محتواه، فكان على مدى عدة دورات تشريعية في طليعة النواب الوطنيين الذين شكلوا جبهة كويتية عريقة من مختلف المشارب والتوجهات للتصدي للفساد، وكسب مجلس الأمة في عهدهم هيبته الدستورية واستعاد مفهوم تمثيل الأمة بطموحاتها وآمالها ومشاكلها الجماعية.
لعله من محاسن المصادفات التاريخية أن يلتقي أمثال يوسف المخلد وناصر صرخوه في مجلس 1985 فيحق لهما ولكل محبيهما أن يفتخروا بهذا البرلمان الذي يعد أيقونة خالدة في تاريخ الكويت السياسي، سواء في التشريع أو الرقابة، الأمر الذي لم تتحمله الحكومة فانقلبت على الدستور وعطلت الحياة الديمقراطية برمتها.
يوسف المخلد وناصر صرخوه كانا مثالين لمفهوم سياسي ظهر إلى السطح في العمل البرلماني وأفرز أعضاء مجلس الأمة إلى نواب المواقف في مقابل نواب الخدمات، فتحوّل هذا المصطلح إلى معيار حقيقي في الانتخابات العامة ومؤشر مهم لتقييم السلطة التشريعية وترقب أدائه على المستوى الشعبي بحسب الثقل النيابي الذي يمثله رموز نواب المواقف والمبادئ الوطنية في تركيبة كل مجلس مقبل، وكان ذلك يعكس أيضاً في بُعده السياسي توجهات الرأي العام الكويتي وأولوياته في كل مرحلة تاريخية.
الدكتور ناصر صرخوه والعم يوسف المخلد اشتركا معاً أيضاً بحسن الخاتمة في مسيرتهما البرلمانية، فقد تغيرت ساحتنا السياسية وعصفت بها التقلبات الحادة، وتعكَّر صفو النسيج المجتمعي بأجواء التلوث السياسي وتغيّرت المواقف والتحالفات بسبب وباء الطائفية والقبلية والعنصرية، وانحرف العمل البرلماني نحو المكاسب الضيقة والمنافع الشخصية والفئوية، فقد كانت حياتهما السياسية قد انتهت ومع ذلك بقيت ذكراهما ناصعة وخالدة في نفوس الناس بتلك المبادئ الثابتة والمواقف الأصلية، على الرغم من محاولات الحكومة لتشويه صورتهما حتى بعد تركهما العمل العام، وخاصة الدكتور صرخوه الذي جُرجِر ظلماً إلى المحاكمة بتهم التآمر على النظام، لكن القضاء الكويتي منحه صك البراءة ليضيف إلى نقائه الوطني وتاريخه المشرف.
هذه إرادة الخالق في استرجاع أماناته، والموت حق على بني البشر، ولا اعتراض على أمر الله عز وجل، لكن يبقى الحزن وشعور الخسارة لشخصيات عزيزة علينا وعلى قلب الوطن في وقت يكون فيه أمثال هؤلاء الرجال عملة نادرة نحتاجها في الظروف الصعبة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.