أحزان بالجملة، وتكدس مروري للمصائب، ودماء متزاحمة، الكتف بالكتف، وكوكب الأرض يحثو الرمل على رأسه، وينحب، وكواكب درب التبانة تتفرج من بعيد مصدومة، وتضع أيديها على أفواهها الفاغرة، لهول ما جرى ويجري على سطح شقيقتهم، الأرض.
والناس يتعاركون على اتجاه الدموع، فيصرخ أحدهم: لماذا تبكي هنا ولا تبكي هناك؟ أليس لون الدماء واحداً، وقيمة الإنسان البريء واحدة؟ فلمَ تختار البكاء على هذا الإنسان وتتجاهل ذاك؟ فيأتي الرد: بعد أن تعبتم من قتل بعضكم بعضاً، قررتم أن تقتلونا في فترات استراحاتكم. ما ذنب أبريائنا الذين كانوا في المسرح، أو في المطاعم والحانات؟ ويصرخ ثالث: هل هذا جزاء الفرنسيين الذين يحتضنون أكبر جالية مسلمة في أوروبا، ويعاملونهم بالعدل، ويحترمون آدميتهم؟ يسأل ثم يجيب: نعم، هم أولى بدموعنا وأحزاننا، ويحتج آخر: ما ذنب أبريائنا في الضاحية الجنوبية؟ فيتلقى احتجاجاً مضاداً: وما ذنب أطفال سورية الذين قتلهم مقاتلو الضاحية الجنوبية؟.
ويطول الجدل حول الدموع، وأحقية كل طرف فيها، ونسبته التي يستحقها، تماماً كأسهم شركة قرر الملاك تقاسمها.
أيها السيدات والسادة، بوفيه الأحزان أمامكم، فلينظر أحدكم ما يناسب دموعه، وليذرف ما شاء على من شاء، لكن بالله عليكم اطردوا المتباكين من بينكم، كي لا يقرفونا ويفسدوا أحزانكم النقية. اطردوا كل من فرح، في يوم من الأيام، بمصائب الناس، ورقص على جثثهم، أو ساهم متعمداً في قتلهم، أو إيلامهم، أو حتى حرض على ذلك. اطردوا هذه النوعية من الكائنات من بينكم، فالبكاء نبل، أقصد البكاء تأثراً بآلام الآخرين، وحزناً لأحزانهم. اطردوا هذه الكائنات من شرف الشعور بهذا النبل. اطردوهم ثم ابكوا على من تشاؤون، في أي بقعة من الأرض تشاؤون.