كالعادة، عيون الناس في جهة، وعيناي في جهة أخرى، بسبب “الحوَل الذهني” الذي أعانيه منذ الصغر، ففي اللحظة التي يتابع فيها الناس آخر أخبار العمليات الإرهابية في باريس، ويحصون عدد الضحايا الأبرياء، والإجراءات الأمنية المتّبعة، وما شابه، أتابع أنا تصرفات الحكومة الفرنسية في لحظات كهذه، من حيث الاستعداد الطبي، والأمني، والمعلوماتي، والاحترازي، وغير ذلك.
مباشرة، وفي لمح البصر، انعقد اجتماع غرفة العمليات، التي تضم كل الجهات المعنية، وممثلين لكل من؛ مسؤولي الطرق، والقيادات الأمنية، ومسؤولي التواصل مع وسائل الإعلام، وممثلين عن المستشفيات، ومسؤولي النقل، وأُعلنت أرقام الهواتف المخصصة للجمهور، ووو… واتجه كلٌّ إلى مقعده وعمله الذي تدرب عليه.
بالتأكيد ستكون هناك بعض الهفوات، وسيرتفع صوت الإعلام الفرنسي، بعد زوال العاصفة، منتقداً الحكومة الفرنسية، والرئيس الفرنسي، وكل المسؤولين، ومتهماً إياهم بالتقصير. لكن المنصف يدرك أن خسائر فرنسا من الأرواح لا تتجاوز عدد ركاب طائرة واحدة، وأن السرعة التي سيطرت فيها قوات الأمن على الوضع قياسية، بمعنى الكلمة، رغم التحضير الإرهابي الواضح، وعدد الإرهابيين، وأماكن انتشارهم.
فرنسا لا تُهان، حتى إن تعرضت للغدر فستتعافى سريعاً. مَن يُهان، ويستحق الإهانة، هو كل بلد يعتمد على بركة الوالدين في تسيير أموره، من دون أن يكون جاهزاً لحالات الطوارئ والمصائب والكوارث. من يهان هو البلد الذي يدخل في فوضى عارمة عند أصغر المصائب، ويغرق في شبر ماء، ويفغر مسؤولوه أفواههم عند الجد، لأنهم لا يتقنون إلا السرقات والمكائد والدجل.
من يهان هو البلد الذي لا يمتلك بنية تحتية جاهزة، ولا خدمات طبية احتياطية، ولا يمتلك أساساً غرفة عمليات وخططاً معدة للمصائب والكوارث، أما فرنسا، فمثلها لا يُهان.