منذ الشرارة الأولى للتأجيج الطائفي الذي شهدته الساحة الكويتية عام 2010 وحتى اليوم، كنت من بين القلائل الذين يحذرون من الدور الحكومي في إلهاء المواطنين بهذه الفتنة على الرغم من تصدّر مجموعة من نواب الأغلبية المبطلة للواجهة الطائفية واستغلالها كثمن رخيص للتكسب السياسي والمصالح الانتخابية، وراهن الناس على تراجع هذه النبرة المريضة بعد انحسار التيار الديني المتعصب من الساحة البرلمانية تحديداً.
لكن على عكس كل التوقعات والآمال، فإن موجة الطائفية مازالت مستعرة، ولعل التراشق النيابي في أولى جلسات مجلس الأمة بعد العطلة الصيفية يبين مَن هو المحرّض الرئيسي على استمرار الطائفية، خصوصاً تحت قبة البرلمان، فأبطال التعصب الطائفي لم يكونوا من رموز الجماعات الدينية أو من ذوي اللحى، وإنما من النواب الحكوميين حتى النخاع! وهذا ما جعل الكثير من السياسيين والنخب الاجتماعية يعيدون التفكير في منبع الإثارة وضرب مكونات المجتمع بعضها ببعض، حيث إن الحكومة هي الجهة الوحيدة التي تمتلك مقومات ذلك، من حيث أوراق اللعبة وملفاتها وتوزيع الأدوار واختيار الوقت المناسب لإبقاء حالة الهيجان الطائفي على السطح دائماً، ومثل هذا الاستنتاج، وإن جاء متأخراً، فإنه بلا شك مؤشر على تنامي الوعي السياسي، ومن ثم العمل على احتواء هذه المشاكل المصطنعة من قبل الحكومة وأدواتها المختلفة بين فترة وأخرى.
من جهة أخرى، وكمثال جديد على نبش الحكومة في ملف الطائفية، تلك الحركة الغبية التي ارتكبها الرقيب السينمائي على الفيلم الهندي الذي عرض في الكويت، ويتناول قصة جميلة عن طفلة باكستانية خرساء تضيع في الهند، ويرق لها قلب هندي من عبدة القرود لإرجاعها إلى بلدها المسلم، وفي هذا الفيلم الذي يروّح لفكرة التسامح وحوار الحضارات والأديان كان هناك مقطع لأغنية تمجّد “القرد الإله” بكلمات صريحة في مفاهيم الشرك مترجمة إلى اللغة العربية، وعرض هذا المشهد الغنائي كاملاً، ولكن عند عرض أغنية للمسلمين في باكستان على الطريقة الصوفية تتخللها كلمات الشكر لله والتمجيد برسولنا الكريم محمد (ص) يأتي مقص الرقيب ليحذف العبارات الخاصة بمدح الإمام علي (ع) في إسقاط مريب يثير الشفقة، لا الغضب، على الرغم من كون علياً (ع) أحد الخلفاء الراشدين وأمير المؤمنين، بل إن ذكره يأتي في التراث الكويتي قديماً وحديثاً، ولعلنا جميعاً نذكر الأغنية الوطنية المشهورة لسناء الخراز وهي تقول “سامع الصوت صل على النبي أول محمد وابن عمه علي” على مسرح وزارة التربية، وطالما رددت أيام الغوص والسفر وفي الأعراس الكويتية!
قد يقول قائل بأن مثل هذا الاجتهاد البسيط أو الخطأ الصغير لا يمكن اعتباره دليلاً على سعي الحكومة إلى إذكاء الطائفية، وهذا رأي بالتأكيد ذو حصافة ولم يسرد لاتهام الحكومة أو إدانتها في هذا المثال، فما تمارسه الحكومة من تكتيكات وفتح المجال وغض البصر عن “حركشات” مجاميع من هذه الفئة أو تلك لضرب بعضها البعض وحالة الاحتقان العامة هو الدليل على الدور الحكومي ومسؤولياتها، سواء كان ذلك عن تجاهل وجهل أو إصرار وتعمّد، وهو الأرجح!