ألف عام أو يزيد والتقهقر والتراجع والانسحاب والهزيمة مستمرة. دحرتنا إيزابيلا، بجدارتها، وجعلتنا نبكي ملكا اضعناه، ولم يكن يوما لنا!
ثم تتالت علينا النوائب، وساد حكم الترك فيها لأكثر من اربعمئة عام. وبدأت بعدها السنوات المئة العجاف.
مئة عام من الجوع والمرض والجهل والتخلف.
مئة عام من نقص المدارس.
مئة عام من شح المياه النظيفة.
مائة عام من دون مستشفيات أو أدوية.
مئة عام وطرقاتنا ترابية.
مئة عام من كهربائنا المتقطعة.
مئة عام من بناء السجون والمعتقلات.
مئة عام من نقص الجامعات وتردي الخدمات.
مئة عام من الانقلابات العسكرية، والحكومات الدكتاتورية.
مئة عام من المحاكم الفاشلة والقضايا المعلقة.
مئة عام وأعداد لاجئينا ومخيماتهم تتكاثر من حولنا.
مئة عام من الحرمان من أبسط حقوق الانسان.
مئة عام من القهر والاستعباد والنصب والاحتيال والسرقات.
مئة عام لم يرف فيها جفن واحد ويطالب بتعليم أفضل ومدارس أكثر وسجون اقل وجامعات أحسن، ومجار وطرق عصرية ومياه نظيفة، وأنظمة حكم عادلة، ومصانع أحدث، ولكنهم لم يتعبوا ولم ييأسوا ولم يتوقفوا يوما عن الدعاء للسلطان، والدعاء على أعدائه، وطلب الفناء للكفرة والموت للزنادقة والشتات للمشركين والصهاينة.
مليارات الدعوات والأدعية والصلوات أرسلها رجال الدين دون جدوى، متناسين كل مآسينا ومصائبنا ومشاكلنا، وما أن دخل الروس بطائراتهم إلى سوريا حتى اجتمعت معظم روؤسهم، التي تحمل مختلف أنواع العمائم وأغطية الرأس المبخرة، منددة بذلك التدخل، رافعة الصوت ومطلقة النفير لقتال القوات الروسية، وتلبية نداء الجهاد، واي جهاد!
أين كان هؤلاء طوال سبعين عاما من القضية الفلسطينية المصيرية؟
اين كانوا طوال عشرات السنين من تآكل الجامعات وتكاثر السجون والمعتقلات؟
اين كانوا من الدكتاتوريات، ومن فساد معظم الأنظمة وهوان الإنسان العربي وقلة حيلته، وتكاثر الأعداء عليه؟
أين كانو طوال عقود من ظلم المعتقلات، ووحشية التعذيب والتنكيل والتجويع؟
لماذا أصبحت أوائل أولوياتنا إخراج الروس من سوريا، في الوقت الذي أضحت فيه كرامة المواطن ولقمة عيشه وتعليم ابنائه وطبابة عائلته ودواء أمراضه من أواخر اولوياته؟