في الذكرى الثالثة والخمسين لصدور دستور 1962، هناك محطات للتأمل والتفكير بهذه الوثيقة في إطار الواقع السياسي، فالوثيقة الدستورية كانت ثمرة مطالبات استمرت منذ نشأة الكويت ككيان وسلطة وشعب، وكانت نتيجة حتمية لإصرار الكويتيين على المشاركة في الحكم، ذلك الإصرار الذي جوبه بكل أشكال الممانعة والمماطلة والتعطيل حتى مجيء الشيخ عبدالله السالم الذي توّج حكمه بالاستقلال والدستور والديمقراطية والتنمية الحديثة.
السؤال الذي طالما تردد خلال السنوات الأخيرة: هل يصلح هذا الدستور لزماننا هذا وفي عهد أجيالنا الشبابية القادمة؟ وهل نحن بحاجة إلى تنقيحه وتعديله؟ وهل الظروف السياسية مهيأة لذلك؟ ومن يملك زمام التعديل؟ وفي أي اتجاه يجب أن يعدل الدستور؟ هذه التساؤلات مهمة ومستحقة وتفرض نفسها بين فترة وأخرى على الرغم من الصعوبات العديدة التي قد تجعل من هذا الطموح العالي ضرباً من المستحيل!
شخصياً، أميل إلى القناعة المنطلقة من ركائز الديمقراطية والمزيد من الحريات والدور الأوسع للشعب في اتخاذ القرار السياسي والشراكة في الحكم، ومؤدى ذلك تعديل الدستور نحو ديمقراطية أكثر تطوراً ونضجاً وأقرب إلى القاعدة الشعبية، ويشمل ذلك المزيد من الصلاحيات البرلمانية والتمثيل الشعبي في الحكومة وتوسيع دائرة الحريات في ظل دولة مدنية تؤمن بصدق بمبادئ تعددية وتداول السلطة.
يبقى أن الثقافة السياسية، ومستوى الوعي بها، لا تقل أهمية عن تعديل النصوص الدستورية، بل الأمران متلازمان ويكمل كل منهما الآخر، فالوعي السياسي الكويتي لم يستمر في اتجاه تصاعدي كما كان الحال منذ بداية القرن العشرين حتى التحرير، وبدأت الثقافة السياسية تشهد صعوداً إيجابياً تارة، ولكن سرعان ما تتعرض لانتكاسة تهوي بها إلى مستويات خطيرة كما هو الحال الآن، حيث التعصب والعاطفة واهتزاز الثقة وتمزق الجبهة الداخلية في أسوأ ما يكون، ولكلٍّ من هذه الآثار السلبية انعكاساتها وإسقاطاتها حتى على مبدأ التفكير في تعديل الدستور، فالإسلاميون يستغلون كل الفرص لفرض الهيمنة الدينية الأحادية على الدستور وشكل النظام، والبعض الآخر يعوّل على الأكثرية العددية كطموح لحكومة شعبية، والأقليات السياسية وأصحاب الفكر الليبرالي المنحسر قد يجدون في الوضع القائم رغم مساوئه أكثر منه في سيناريو غامض ومستقبل مجهول.
المجتمع الكويتي الذي ظل طوال العهد الدستوري مفتتاً بين القبلية والطائفية والعرقية مارس الديمقراطية والانتخابات وفق هذه الانتماءات الضيقة، وغياب الأحزاب السياسية بثوبها الوطني عطل مفهوم الهوية الوطنية، واستمرار الحكومة في ضرب المكونات الكويتية بعضها بالبعض الآخر عبر سياسة التجزئة والاحتواء أخمد آمال وجود جبهة وطنية متعددة المشارب لقيادة العمل الديمقراطي، وحتى إذا تشكلت مثل هذه القاعدة الوطنية فإنها سرعان ما تُضرَب إما من الحكومة أو التيارات التي لا يرضيها توحُّد الكويتيين في أيقونة قوية ومتماسكة.
فكما أن إجراءات تعديل الدستور صعبة ومعقدة وتتطلب عدة مراحل من الاتفاق والتراضي بين المجلس والأمير، فإن الثقافة السياسية الشعبية، التي تمثل الوعاء الحاضن للدستور، في أمس الحاجة إلى إجراءات عملية تبدو صعبة ومعقدة وتتطلب بدورها الاتفاق والتراضي بن الكويتيين أنفسهم!