مَن يقول: “الكويت هوَت وارتطمت في قاع البئر وتفتتت عظامها”، نقول له: “اتق الله، فما زالت الكويت حسناء، أو تمتلك بقايا من حسنها السابق. صحيح أنها شاخت، ووهن العظم منها، وامتلأ الرأس شيباً، لكنها ما تزال على قيد الحياة، وما زال قلبها ينبض، حتى وإن نفد رصيد عينها من الدموع، وصارت تبكي (على المكشوف)، بلا رصيد”.
صحيح أن النائب الآن في هذا المجلس، مجلس الصوت الواحد، يُكتب ولا يُنطق، ووجوده أسوأ من عدمه، إلا أننا لم نصل إلى المرحلة التي يحمل فيها النائب بشت الوزير، ويقدّم له الشاي والقهوة، ويمسح بالمنديل عرق رقبته، قبل أن يتوجه إلى سوق الخضار، أو الچبرة، ويتوقف لدقائق أمام الرويد والفجل والبقدونس والكزبرة والشبنت، ومنه إلى رف الحفاظات، ويتنقل بين الرفوف وهو يقرأ (الأغراض) في الورقة التي كتبتها له حرم معالي الوزير، ويحتار، أو يحار، وهو يقف أمام رف المنظفات، إذ لم تكتب له حرم الوزير نوع المنظف الذي تريده، فيهاتفها: طال عمرك، أي نوع من المنظفات تفضلين؟ فتحيله إلى عاملة المنزل، فتنهره العاملة وتزجره: أنت غبي؟ هات نفس النوع الذي تجلبه كل مرة، سيم سيم. فيعتذر بتأتأة، فتغلق العاملة الهاتف في وجهه قبل أن يُكمل اعتذاره.
وترتسم على شفاه نائبنا المفضال ابتسامة شامخة، وهو يتذكر أن وظيفته لا تتعدى مسح عرق الوزير، والقهوة والشاي، وسوق الخضار، بينما يتولى زميله، النائب الآخر، وظيفة توصيل بنات الوزير إلى الصالون، أو حفلات أعياد ميلاد صديقاتهن. ويحمد الله بخشوع، وهو يتخيل منظر نفسه في مكان زميله، جالساً في السيارة أمام باب الكوافير ينتظر ابنة الوزير، ويتخيل ويتخيل ويتخيل، فيشكر الله، وينتفخ صدره زهواً.
صدقوني، ما زال في الكويت بقايا جمال، إذ لم نسمع، حتى اللحظة، عن وزير ذهب إلى مكتبه في الوزارة، ومعه “خياش فاضية”، يحمل فيها النقود، ليودعها في أقرب فرع بنك… ما زال في الكويت بقايا جمال، وما زال الوزراء يحصلون على ملايين الدنانير من العقود الوهمية، التي لا تُرى بالعين المجردة.
صدقوني، ما زالت الكويت جميلة، وما زلنا نشرب الماء عبر الأنابيب، لم نصل إلى مرحلة التقاتل على البئر. وما زلنا نستمتع ببعض الكهرباء. وما زلنا نتنقل عبر السيارات. فاتقوا الله واحمدوه… ووحدوه.