لم يكن أمام تلك المواطنة إلا أن تبحث عن سبيل لإيقاف جنون ابنها بمساعدة الناس! تسأل وتستفسر وتبحث عمن يعينها وتطلب النصيحة… ذلك الصبي البالغ من العمر 12 عامًا، في طريقه إلى الانحراف لا محالة إذا ما بقي على هذه الحال.
تلك الأم التي تقاعدت من عملها لتتفرغ لرعاية بيتها وأبنائها، تواجه ظروفًا متعبة بسبب ذلك الصبي الذي ترك المدرسة وهو في المرحلة الإعدادية، وليس في حياته، وهذا هو الخطير في الأمر، إلا النوم والأكل والتسكع وطلب المال من أمه التي وفرت له كل ما يريد، غير أنه لا يتورع عن تهديدها إذا ما رفضت منحه المال حين تكون في ضائقة.
قصة ذلك الصبي ليست الفريدة من نوعها… فهناك العشرات من البيوت التي تعاني من تصرفات الأبناء – ذكورًا وإناثًا – مع فارق أن نسبة الإناث أقل بالطبع وفق عدد المودعين في دار رعاية الأحداث وفي سجلات المراكز الاجتماعية، ولا يمكن الاستهانة بالمشكلة إطلاقًا! فهؤلاء الصبية يصبحون فريسة سهلة لرفقاء السوء وأولاد إبليس الذين يحولونهم إلى فئة عدوانية تتجه إلى الجريمة والإضرار بأنفسهم وبأهليهم وبالمجتمع.
وماذا بعد؟ يصبح الأمر أكثر خطورةً حين يستخدم ذلك الصبي التهديد متوعدًا للإضرار بوالدته، حتى تدخل الأقارب لنصحه وتوجيهه وإرشاده وردعه لم ينفع، إن من الأهمية بمكان أن يكون للأهل دور في مساعدة الأمهات اللواتي يعانين من تصرفات الأطفال والناشئة والشباب السلوكية المنحرفة، ويتطلب الأمر طول بال وصبر وتفهم وقدرة على معالجة الأمر، ولا يتاح هذا لكل الناس، ومن الطبيعي أن تتم الاستعانة بالمرشدين والمرشدات والمتخصصين في مجال الإرشاد الأسري والتنشئة لمعالجة مثل هذه المشاكل.
سؤال آخر في قضية المواطنة :»أين الأب؟ هل هو حي يرزق أم أنه فارق الحياة؟ لماذا يفعل ذلك الصبي كل هذه المشاكل ليقلب حياة والدته رأسًا على عقب؟»، ولابد من الإشارة هنا إلى أن الأسرة المفككة أو التي لا عائل لها كأن يكون الأب متوفيًا أو منفصلًا عن الأم ولا يكترث لأمر أبنائه، يجعل تلك الأسر، أو لنقل بعضها، تعاني من هذه المشكلة، إلا أن في مشكلة المواطنة المذكورة ما هو أكثر إيلامًا… لقد سافر الأب إلى إحدى الدول في الشرق الأقصى منذ شهرين، وكأن لا زوجة ولا أبناء له! تركهم دون أن يسأل عنهم… وقد نستغرب أن يحدث هذا الأمر في المجتمع البحريني، وإن كان نادرًا، لكنه يحدث.
كيف يمكن معالجة هذه المشاكل؟ لاشك في أن دور المجلس الأعلى للمرأة والمراكز الاجتماعية والجمعيات التي تعمل في هذا المجال مهم للغاية… وبالتالي، هناك حاجة ماسة إلى أن يتم تعريف المجتمع بدور تلك الجهات لكي تتمكن الأسر من التواصل معها، ولعل تفعيل وسائل التواصل الاجتماعي وتكثيف الرسائل الإعلامية عبر الصحافة المحلية يمكن أن يوجد قنوات أفضل للتعامل مع مشاكل لا يجب تجاهلها أو الاستهانة بها.
ختامًا، لعلني أوجه سؤالًا: «هل هناك من الباحثين والمتخصصين من يبادر لمساعدة تلك المواطنة، وله أطيب الدعوات والشكر والتقدير؟»… لله الحمد، لدينا الكثير من الباحثين والباحثات المؤهلين والمقتدرين بجدارة على أن يعيدوا بناء البيوت التي تكاد تتهدم… وفي انتظار المبادرات.