الحديث عن الوحدة الإسلامية هو حديث عاطفي به شيء من الموضوعية، ومن أهم ما فيه هو الوقوف أمام الخلافات الطائفية والاعتماد على اتفاق الأصول بعيداً عن خلافات الفروع. هذا الفكر يبني ولا يهدم، وله منافسة على المستوى الفكري ظهرت بالتوازي معه، وهذه المنافسة يقودها فكر ما يسمى بالقومية العربية. وعند الحديث عن الوحدة الاسلامية وخصمها القومي، فإنك لابد وأن تقف على أطروحات أحد المفكرين ممن وضع فاصلاً بين المنهجين، الإسلامية والقومية، وإطاراً ايجابياً لكل منهما منعهما من التداخل أو التناقض، انه المفكر اللبناني الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله، الذي عالج قضية الوحدة الإسلامية بموضوعية وحياد وإيجابية.
وعند الحديث عن الصراع بين القومية والوحدة الإسلامية، فلا داعي ان نتهم الأجانب في النزاعات القومية العرقية التي تحدث بين المسلمين، فالقومية العربية قسمت المسلمين الى عرب وغير عرب، والحركة الفارسية قسمت المسلمين الى فرس وغير فرس، وكذلك الحركة القومية التركية والتي لها دور في اسقاط الخلافة. وهذا أنتج حرباً فكرية وصداماً بين الحركة القومية والحركة الإسلامية، هذه تسمي الأخرى رجعية، وترد الثانية عليها بأنها كفر وضلال، رغم ان الانتماء القومي ليس محرماً شرعاً ان كان في حدود وخدمة الشريعة. ولكن ما يحدث ان كلاً يدندنُ على «مصلحته» مهما كانت نتيجة هذه «الدندنة» على الوطن ومصلحة الآخرين، فالمال مقابل «الدندنة» أو قل التفرقة، أصبح شائعاً للأسف… وهات يا صراعات اجتماعية!
بالمقابل فإن العازفين على وتر الوحدة الإسلامية، هم كذلك متهمون بالتفرقة أحياناً، وليتهم اقتدوا بسيرة الصحابة وآل البيت الكرام والذين فضلوا ان تتوحد هذه الأمة على الحصول على الولاية السياسية والحكم، والأمثلة على ذلك كثيرة. فكما كانت القومية العربية تشتت وتفرق، فأدعياء الوحدة الإسلامية اليوم يقومون بنفس الدور وهم يرتدون عباءة الدين. وهذا كله نتيجة من التخلف غير المبرر للخطاب الديني الذي يقوده دعاة وعلماء ضلال، وأيضاً نتيجة للفهم الخاطئ لمبدأ الوحدة الإسلامية، الذي من أساسياته احترام الأوطان والذود عنها، لا إلغاؤها وهدمها والتخابر عليها! فلا تناقض بين وحدة الأمة ووحدة الدولة، ومن يريد غير ذلك فهو مغتصب له اهداف استعمارية يغلفها بغلاف الدين.
ان الوطن ووحدة أراضيه وقبل ذلك التفاف شعبه حوله، هو الوحدة الحقيقية التي تتحقق على أساسها الوحدة الإسلامية ونادى بها الإسلام، أما اختراق الأوطان وزرع خلايا تابعة لدول خارجية، هذا كله يضر الإسلام قبل أن يضر هذه الدولة المخترقة أو تلك. فالإسلام جاء لبناء الأوطان متحرراً من أي استعمار اقتصادي أو سياسي، حتى وان تغلف باسمه أو باسم «الله». الوحدة الإسلامية هي وحدة وطن، ومن خان وطنه خان دينه وأمته وأمانته، مهما كانت المبررات. فحين نرفض الاستعمار الخارجي، لا يعني ذلك ان نقبل باستعمار آخر يرتدي عباءة «الوحدة» ويمزق الوطن بخنجر الطائفية والتفرقة.