أنتجت هوليوود قبل نصف قرن، فيلم Guess Who’s Coming to Dinner الذي لقي نجاحا كبيرا، كان موضوعه مثار نقاش تلفزيوني وصحافي حاد لفترة طويلة.
مثل فيه باقتدار الكبيران، سبنسر ترايسي وكاثرين هيبورن، ولعب فيه الممثل الجامايكي الأسمر سيدني بواتييه دورا مميزا.
بسبب أجواء الشحن العنصري حينها رفضت ولايات كثيرة فكرة الفيلم، حيث كان الزواج المختلط بين السود والبيض، وهو موضوع الفيلم، غير مقبول في ولايات كثيرة، وممنوعا في 17 منها في تلك الفترة.
تبدأ قصة الفيلم بقيام ابنة اسرة ثرية بإعلام والديها بخبر تقدم شخص لخطبتها، وأنها ستعود مبكرا من إجازة قضتها في هاواي، وترغب في أن يتعرفا على خطيبها الذي سيقوم في مساء ذلك اليوم بزيارتهم لتناول العشاء.
يفاجأ الوالدان أن الذي وقعت ابنتهما الشقراء الجميلة في حبه، داكن البشرة، وطبيب أرمل، وبالتالي كان استقبالهما له فاترا، وغير مرحب على الإطلاق.
تبدأ المفارقة عندما نعرف أن والدي الفتاة، النشيطين اجتماعيا، والمعروفين في أوساطهما بأفكارهما اللبيرالية، ومواقفهما المناهضة للتفرقة العنصرية، ولكن يبدو أنهما لم يفكرا يوما أن الأمر سيصل لعتبة دارهما، وهذا دأب غالبية من يدعون الليبرالية، والذين عادة ما يقبلون بنتائجها لغيرهم، ولكنهم على غير استعداد لدفع ثمن تلك الليبرالية من جيوبهم، أو «سمعتهم».
نكتب عن المفارقة في هذا الفيلم في ضوء تصريح الأستاذ يعقوب الصانع، وزير العدل وزير الأوقاف، الذي ذكر فيه أن ترشيحاته للمناصب القيادية في الوزارتين أصبحت امام الجهات المعنية. ومن هذا المنطلق، ولكي لا نكون مثل ذلك الأب وتلك الأم اللذين طالما ادعيا الليبرالية زورا، ومن منطلق ما ينادي به الدستور من تساوي جميع المواطنين امام القانون، وإن العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع، وان التعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين، وأن الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها، فإننا نتمنى هنا على معالي وزير العدل، المحامي، يعقوب الصانع، وبكل ما عرف عنه من شجاعة في الرأي والموقف، أن يضع هذه الحقائق والنصوص الإنسانية نصب عينيه ويعطي كل المواطنين فرصا مساوية، ويفاجئ «عشاء مجلس الوزراء» بكشف جديد يتضمن أسماء من يقترحهم مستقبلا لشغل الوظائف العليا في وزارتي العدل والأوقاف، بحيث لا يكونون من المحسوبين أو المنتمين لأي من الحزبين الدينيين الرئيسيين، وأن يكون البعض منهم من الكفاءات المسيحية أو الشيعية، لكسر «تابو» المنع في هاتين الوزارتين، على الأقل في الوظائف التي لا علاقة لها بالأمور الدينية!
عندما يحدث مثل هذا في الكويت، او قريبا منه، حينها سنعلم أننا تسلقنا درجة كبيرة في سلم الرقي والتحضر، والإنسانية.
• ملاحظة: ذكرنا في مقال الأحد الماضي عدم تطرق البنك المركزي لسيرة محافظه الأول في موقعه الإلكتروني، ولم يكن ما ذكرناه دقيقا، فالموقع الذي لم يرد فيه ذكره هو موقع البنك على «الويكيبيديا»، وأعلمني البنك المركزي أنه جار الاتصال بهم لتحديثه. فمعذرة للبنك وللاستاذ حمزة عباس.