لا بد أن نقدر لتركيا ديموقراطيتها المتميزة، وأن ندرك أن النظام الديموقراطي الصحيح يؤتي أكله عند التمسك به وفي تطبيق مبادئه وفي حسن تنظيمه وفي سلامة ممارسته، وهو سبيل الدولة المعاصرة للاستقرار والبناء والتنمية، أما غير ذلك من الإيمان ببعض المظاهر الديموقراطية والكفر بالبعض الآخر منها، فإنه يورث الأرق واللاإستقرار، ويفسح المجال للفساد أن يستشري وللفاسدين أن يسودوا، وتضيع في دهاليز الديموقراطية المشوهة كل جهود الإصلاح والنوايا حتى لو كانت النوايا صادقة، فذلك لا يغني عن ضرورة الممارسة الحقيقية لخيار الدولة المعاصرة وهي الديموقراطية.
إن تجربة الديموقراطية التركية تضعها، من دون شك في مصاف الدول المتقدمة في احترامها لمواطنيها وإشعارهم أنهم فعلا شركاء لا أجراء، بل انها ديموقراطية تمكنت من التفوق على نفسها من عدة جوانب:
– فهي تفوقت ابتداء بالتداول السلمي والصحي للسلطة، وهو الذي حقق لحزب الحرية والعدالة فرصة الفوز بالأغلبية، ونجح من خلال النظام الديموقراطي من تقديم برنامج سياسي نقل الدولة نقلة اقتصادية واجتماعية يعيش رغد نعيمها جميع أبناء الشعب التركي، وزاد إيمانهم وتمسكهم بهذا الحزب الناجح في قيادة الدولة وتنميتها.
– وهي تفوقت على نفسها حينما اعترف حزب الحرية والعدالة أنه لم ينجح بالانتخابات التي جرت في مايو الماضي، وتم بعدها مباشرة إعلان رئيس الوزراء ورئيس الدولة عن إجراء انتخابات مبكرة لكي يقول الشعب رأيه بشكل حاسم بشأن من يرى اختياره ليحكمه.
– وهي تفوقت على نفسها حينما يبلغ مستوى الوعي والإحساس بقيمة المواطنة لدى الشعب التركي مستوى يجعل المشاركة في الانتخابات التي أجريت قبل 4 أيام تبلغ 88% من الناخبين مسجلة رقما قياسيا غير مسبوق بأي ديموقراطية معاصرة.
– وهي تفوقت على نفسها حينما يكون الحزب الحاكم حزبا إسلاميا معتدلا ووسطيا قادرا على أن يقود بلاده بتفوق واضح ومحافظ على مصالحها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويتجاوب مع متطلبات العصر من دون التخلي عن هويته ليقدم نموذجا ناجحا للأحزاب السياسية الإسلامية الوطنية التي تحقق مصالح بلادها بعيدا عن حملات التشويه والتعريض لوصمها بالتطرف وفقدان المصداقية، وهو رد واقعي أبلغ من أي تنظير.
ونأمل لتركيا التي هي عمق مهم للعالم العربي والإسلامي كل التوفيق والتقدم، ونأمل ألا يتسلل الغرور الى قيادتها كي لا تجنح الى التفرد بالسلطة، ومن ثم تتراجع وتتقهقر ديموقراطيتها التي هي سبب احترام العالم وتقديره لها، خلاف الوضع البائس لمعظم الدول العربية التي تفتقر الى الديموقراطية أو تأخذ بصور مشوهة منها، وهي رسالة مهمة لنا إذا أردنا أن نحقق لدولنا التقدم والتنمية.
اللهم اني بلغت.