مئات من فاقدي الوعي الإنساني والذين ينضحون بمرض الكراهية لكل من ليس من فرقتهم وليس محسوباً عندهم من الفرقة الناجية أخذوا بكل شماتة وصفاقة يعيدون نشر تغريدات سقيمة فجة تافهة، تظهر جهلهم ووحشيتهم وبعدهم عن الروح الحضارية والمدنية، يعيدون نشر تغريدات يظهرون فيها شماتتهم بموت الأبرياء بسقوط الطائرة الروسية بسيناء، وذهبت نشوة الفرحة المريضة بأحدهم كي يقرر أنه لا مكان للحزن على الأطفال الذين قتلوا بحادث الطائرة، فهم عنده في فقه البؤس الذي تربى عليه ورضع الجهل من ثدييه سيكونون كفاراً بحسب المـآل! وبالتالي، ووفقاً لفتاوى معلبة في مصانع الحجاج بن يوسف الثقفي وجنكيز خان وهتلر منتهية الصلاحية الإنسانية من زمن بعيد، يصبح “الأطفال” مستحقين للموت!!
هـؤلاء، المرضى المهووسون دينياً وطائفياً حين صلوا شكراً للعناية الإلهية التي أسقطت الطائرة كما يفسرونها بعقولهم المستلبة، هم البعوض الذي ستتحول خلاياه بفضل ثقافة المستنقعات الفكرية التي يحيون بها ويتغذون من طفيلياتها إلى خلايا خفافيش “داعش” بأي لحظة يشعرون فيها أنهم يستكملون واجبهم الديني نحو سورية والأمة الإسلامية، وهم بهذا ينخرون كالسوس بالدين الإسلامي ويقدمون أبشع صورة للإنسان المسلم.
حين تعلن أميركا وعدد من الدول الأوروبية والخليجية الحرب على “داعش” والجماعات المتطرفة، فستكون حرباً خاسرة في النهاية، فجبروت الدولة الأميركية وحليفاتها الكبرى والصغرى، يضربون الساديين من قاطعي الرقاب بوسط العراق وبالرقة في سورية بالطائرات، وقد يُقتل أبرياء عزل وجدوا أنفسهم بصدفة الأنظمة الفاشية الحاكمة مثل نظام بشار أو مافيات الفساد الطائفية المعششة بالعراق أنهم تحت رحمة “داعش” في قراهم ومدنهم، وبالتالي هم من يدفع في النهاية ثمن جنون الحرب بين طغاة الدين وطغاة السلطة.
هل ستنهي الإدارة الأميركية الحائرة في تحديد أولوياتها، أو حليفات أميركا من الدول الغربية والعربية إلى القيادة الروسية “داعش” وجماعته، وتحرر الأرض منهم ومن شرورهم! الإجابة نافية، فسيجد أعداء “داعش” أنهم في آخر الأمر يبترون الأعضاء المريضة بالجسد العربي المستوطن به أمراض التاريخ، لكن الخلايا السرطانية ستظل حية متربصة في عمق الجسد العربي الإسلامي تنتظر الفرصة التاريخية المناسبة للانتقام من كل البشرية، هذه الخلايا ليست نائمة كما يروج في إعلامنا المهادن بسبب قوانين الصحافة وتسلطية الأنظمة لدينا، هي واعية، ولكن بوعي مريض مختل الاتزان، هي تتمدد بطول وعرض الأرض العربية، تمد تلك الخلايا جذورها لأعماق تاريخ المنطقة وكيف كان أهلها ضحايا لتآمر استعماري منذ بدايات القرن الماضي، وتمتد لعمق أحواض النفط في خليجنا، حين خُتمت براميل النفط بأيقونة الفرقة الناجية، وتكفير الدنيا ومن عليها.
“داعش” ليس الذي تلقى عليه القنابل الآن، “داعش” موجود معنا يتحدث ويغرد ويفرد عضلاته ويمد سكاكين النحر لرقاب البشرية، “داعش” في بيوتنا، وفي عقول شبابنا وبناتنا، وفي وعيهم واللاوعيهم، هو موجود في أنظمتنا الحاكمة المتسربلة بالأردية الدينية حتى تغطي قباحة غياب شرعيتها الدستورية. وحين تقرأون تغريدات الشماتة بموت الأبرياء والأطفال، تعرفون أنها ذاتها التي طربت، قبل أربعة عشر عاماً لحكم القدر الرباني حسب تأويلهم المجنون بتفجير مركز التجارة الدولية بنيويورك، ورقصت جذلاً لكل عمل إرهابي ضد مدنيين هم في حكم الكفار في فكرهم المتصلب.
“داعش” ومن يتوالد منه من بكتريا وفيروسات معدية لن ينتهي بالقنابل وبطائرات الدرون، وإنما يمكن مجابهته بأمصال العلم الحديث وبالفلسفة المحرمة في مدارسنا، وبالعقلانية المغيبة عن مناهج التربية، وبالوعي الإنساني الحضاري، وبتحرير الإنسان العربي من طغيان الأنظمة، وطغيان الفقر، وغياب العدالة، والجهل والفساد، وطغيان الزمن الماضي الذي لم ينته… وبتحريره من نفسه في آخر المطاف.