الحكاية ليست مجرد مباراة كرة قدم، كما قد يتصور البعض، بل أكبر من ذلك وأكثر.
الحكاية بدأت عندما تناول طفل كويتي وجبة من أحد مطاعم الوجبات السريعة العالمية، وملأ الكوبون المصاحب لتلك الوجبة، وسجل رقم هاتفه، وغادر إلى بيته.
بعد فترة، تلقى الطفل، ذو الأعوام الثمانية، اتصالاً هاتفياً من إدارة المطعم: “ألو، مبروك، لقد فزت بجائزة السحب، وستتكفل إدارة المطعم بنقلك إلى برشلونة لحضور مباراة الكلاسيكو بين فريقي ريال مدريد وبرشلونة، وستتمكن من التقاط الصور مع لاعب برشلونة، إنييستا، وستبقى في مدينة برشلونة مدة يومين، قبل أن نعيدك إلى الكويت”.
ولأن الطفل من أنصار فريق ريال مدريد، فقد طلب من المتصلة به (سيدة لبنانية) أن يكون التصوير مع لاعب ريال مدريد كريستيانو رونالدو وزملائه في الفريق، فاعتذرت المتصلة، وأوضحت له أن الاتفاق هذه المرة مع لاعب برشلونة، إنييستا، فطلب منها تبديل موعد الجائزة، لحضور مباراة العودة في ملعب ريال مدريد، في شهر مارس المقبل، بدلاً من هذه المباراة، لظروف خارجة عن الإرادة، لكن إدارة المطعم اعتذرت، وبيّنت له أن ذلك غير ممكن، قبل أن تخبره أن الإدارة ستتكفل بنقله مع أحد أقربائه الكبار، إن كان عمره دون الثمانية عشر، وأنّ بإمكانه بيع التذكرة، أو منحها لمن يريد، أو التنازل عنها، قبل يوم الأحد (اليوم).
الطفل هو سعد عبدالله البرغش، ابن النائب الكويتي المعروف، الذي سحبت السلطة جنسيته، من دون أن تقدم ما يبرر فعلتها، واكتفت بنشر مغردين تابعين لها في “تويتر”، أشاعوا أنه حصل عليها بالتزوير. وعندما لجأ البرغش إلى القضاء، طلب القضاء من الحكومة تزويده بما يثبت أنه حصل على جنسيته بالتزوير، فلم تستجب السلطة لهذا الطلب، فأصدرت محكمة أول درجة حكمها باستعادته جنسيته. ومازالت القضية منظورة في الاستئناف.
وهنا يتضح سبب طلب الطفل تأجيل موعد جائزته إلى مباراة الإياب، بعد أن سحبت السلطة وثائق سفره هو وأسرته، ليقينه أن القضاء سينصفه، ويعيد إليه جواز سفره.
وها نحن ننتظر مع سعد حكم القضاء، قبل أن يكبر سعد في السن، ويتذكر أنه مُنع من تحقيق حلمه الطفولي بمشاهدة فريقه المفضل عن قرب، ومُنع من حق السفر، بسبب مطالب أبيه الإصلاحية.
هي غمة ستزول بإذن الله يا سعد، وستعود الضحكة إلى هذا البلد، قبل أن تعود إليك وإلى أسرتك… ستزول الغمة صدقني يا سعد، وقد ينتشر الخبر في الصحف العالمية التي تتابع أخبار ريال مدريد، وقد تكتب إحدى الصحف “ريال مدريد يخسر حضور طفل من أنصاره من الكويت”، وتشرح قصة سحب الجنسية في ثنايا الخبر، وقد يتساءل قراء هذه الصحف عن طريقة سحب الجنسية، وهذا الاستهتار بالمواطنة… من يدري.
على أن ما أدهشني، بعد أن بلغني الخبر، هو معرفة هذا الطفل بتفاصيل الأحداث، وتفهمه للوضع، وصبره، لذا أقول له: لعله خير يا سعد. ستبقى الكويت موطنك الذي فيه ولدت، وعنه دافع أبوك بالسلاح، وعن مصالح شعبه رفع صوته محتجاً، ودفع فاتورة الولاء الباهظة الثمن… ستبقى الكويت موطنك، فنحن نعرف ذلك، والسلطة كذلك تعرف… فلعله خير يا بطل.