«كل المحاولات التي تُبذل لجعل الحرب شيئا سهلا وآمنا، تنتهي دائما بكارثة».. تذكرت هذه الكلمة التي قالها جنرال في الجيش الأميركي، أثناء قراء اعتذار رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير في لقائه مع cnn، حيث اعتذر عن مشاركتهم في غزو العراق، وأكد أن المعلومات الاستخباراتية التي تلقوها عن امتلاك صدام حسين أسلحة نووية، والتي كانت هي المبرر الرئيسي لتدخُّلهم، لم تكن صحيحة!
لم يكن ذلك السبب الوحيد الذي دفع طوني بلير الى الاعتذار، بل الأهم من ذلك اعتذاره حسب قوله «بسبب الأخطاء التي ارتكبناها حول الطريقة التي فهمنا فيها ما يمكن أن يحدث بعد إزالة نظام صدام..». فكل ما جرى في العراق بعد دخولهم، لم يكن أفضل حالا من الوضع قبل دخولهم، حيث سلموا العراق لنظام طائفي مقيت، وقاموا كما يتردد اعلامياً برعايته ودعمه بالتنسيق مع طهران، فكانت النتائج كارثية، ليست أقلها ظهور «داعش»!
تزامن اعتذار طوني بلير مع عرض قناة الجزيرة فيلماً وثائقياً تحت عنوان «الصندوق الأسود»، حيث كشف عن وضع العراق المزري في فترة تولي نوري المالكي رئاسة الوزراء، مدعما بوثائق «ويكيليكس»، حيث قُتل أكثر من 75 ألف عراقي في ولايته الأولى، معظمهم في عمليات تصفية طائفية على يد فرق الموت التي أدارها المالكي «ممثلا لحزب الدعوة الإسلامية» بأوامر من طهران وعلم واشنطن، كما جاء في الفيلم، كما كشف عن معرفة المالكي بتحضيرات «داعش» لدخول الموصل، وتجاهله كل التحذيرات التي وجهت له، كل ذلك، فضلا عن النهب المنظم لثروات العراق، وتغيير تركيبته الديموغرافية.
وان صح ما جاء في الفيلم الوثائقي فمن المؤسف أن الحقائق الأكثر أهمية لا تُكتشف إلا بعد فوات الأوان، ربما ذلك يصدق على اعترافات طوني بلير، والتي رفضتها غالبية الصحف البريطانية، ووصفتها صحيفة الديلي ميل بأنها «تصريحات ماكرة»، ووصفت اعتذاره بــ«الاعتذار الرخيص»، وعلقت «الديلي ميرور» بأنه «اعتذار تعوزه الحماسة ولن يجلب أي راحة للعائلات التي فقدت أحباءها»، رغم ذلك الرفض نستطيع القول إن بلير امتلك شجاعة الاعتذار، ولكن ماذا عن الساسة الخليجيين، خصوصاً الكويتيين الذين كانوا يروجون بأن ذلك التدخّل في العراق سيجلب النعيم والاستقرار للمنطقة، فهل يملكون الحياء السياسي الذي يدفعهم الى الاعتذار بعد مشاهدة ومعايشة النتائج الكارثية لتلك الحرب، التي نعيش آثارها إلى اليوم؟!
ختاماً.. نحن مدينون للمثقفين أصحاب الوعي المبكر، خصوصا في الكويت، الذين عارضوا وحذروا من تلك الحرب، مثل: عبدالله النفيسي، أحمد الديين، محمد العوضي، وحاكم المطيري.. وغيرهم، فرغم صعوبة موقفهم في ذلك الوقت، نظرا الى الرغبة الشعبية العارمة في الانتقام من صدام، والتأييد الرسمي الواضح، بسبب جرائمه في حق الكويت، فإنهم عارضوا الحرب التي أنتجت لنا أمثال نوري المالكي و«داعش»، فأعادوا العراق والمنطقة إلى الوراء أكثر من عهد صدام حسين!