العرب منذ الأزل يفتخرون بالعروبة، ومن قرأ الشعر العربي منذ الجاهلية إلى يومنا هذا يستشعر مدى اعتزازهم بعروبتهم، وتجسد الفكر القومي مع ظهور الإسلام، حيث شعر العرب أنهم أمة مميزة بين الأمم بفضل هذا الدين الذي شاء الله، عز وجل، أن ينزل كتابه الحنيف باللغة العربية، وخاتم المرسلين عربياً محمد، صلى الله عليه وسلم، واستمر العرب بهذا الاعتزار إلى أن تراجعت القومية في عهد العثمانيين، حيث أصبح العرب مستودعاً بشرياً يقاتل للعثمانيين في معاركهم، إلى أن قاد الشريف حسين الثورة العربية الكبرى، وأعاد العرب إلى نشوة القومية.
ولعل قصة الفلاح العراقي “منقاش” من طرائف الاعتزاز المفرط بالقومية، الذي بدوره جزم أنه أسقط طائرة “أباتشي” أميركية ببندقية صيد إبان حرب ٢٠٠٣، وبعد أن جزم منقاش بإسقاط الأباتشي بثلاثة أيام خرج أحد أقاربه ونفى بشكل قاطع أن يكون قريبه أسقطها، ولكن الغريب أنه ما بين الجزم والنفي كتب شعراء العرب من المحيط إلى الخليج ما يفوق ١٥ قصيدة للبطل الوهمي “منقاش”.
أبرز دعاة القومية في عصرنا الحديث هم جمال عبدالناصر، وحزب البعث الاشتراكي بفرعيه السوري والعراقي، و”تحفة” ليبيا القذافي ومجرم صنعاء علي عبدالله صالح، ولعل القاسم المشترك بين جميع دعاة القومية الذين ذكرتهم هو الاستبداد وكتم أفواه الشعوب.
لعل عهد عبدالناصر هو الأفضل لمصر والمصريين وللقومية والقوميين، إلا أنني لا أستطيع أن أتغافل فصولاً حالكة السواد في عهده، أهمها أنه كان في سجونه يُزج الإسلاميون واليساريون جنباً إلى جنب، بالإضافة إلى أن عبدالناصر عهد لا نظام مؤسساتي، إذ دُفنت الناصرية في قبره.
يلي عبدالناصر طاغية بلاد الرافدين صدام حسين الذي خان ما تبقى ممن يُدعى بقومية باجتياحه أرضاً عربية، كشفت لنا مدى قبح وجهٍ ينطق باسم القومية العربية، والأخير بشار الأسد لعله يكون آخر القوميين المعاصريين، الذي يسفك دم شعبه من جهة ويرفع شعارات القومية بأخرى، فلا “أبجح” ممن هجّر ١٢ مليون لاجئ، وتسبب في مقتل ربع مليون إنسان، بمساعدة “الروس” وفيلق القدس “الإيراني”، وميليشا “حزب الله”، وميلشيات “الفاطميين” الأفغان، ويتحدث بصفاقة عن القومية العربية، فإذا كانت هذه هي القومية العربية فسأطوي سجادة ما تبقى من الجزيرة العربية بيدي.