تعتبر السويد دولة غير عادية بكل المقاييس، وعلى الرغم من عدد سكانها الصغير نسبياً الذي لا يتجاوز عشرة ملايين، فإنها الأبرز والأكثر تقدماً بين الدول الاسكندنافية، وتشتهر بصناعاتها العالية الجودة، وحيادها المميز وتقدم ورقي شعبها.
السويد هي «أم الديناميت»، وألفرد نوبل، وجوائزه العالمية. هي وطن أنرس سيلسيوس، الذي وضع نظام قياس درجات الحرارة العشرية، ووطن كارل لينيوس، عالم النبات الشهير، والطبيب والجيولوجي، ورائد علم التصنيف الحديث Systema Naturae. وفي السويد تصنع سيارات وشاحنات فولفو الشهيرة ومحركات الطائرات وآلاف الصناعات الدقيقة والمميزة، خصوصاً في مجال الاتصالات اللاسلكية والأدوية، وهي تعتبر من أكثر الدول صرفاً على البحث والتطوير العلمي، بحيث يصل إلى %4 من ناتجها المحلي. وهي الأولى من حيث عدد الأوراق العلمية التي تقدمها في مجالات العلوم الطبية والطبيعية والهندسية. وقد انطلقت الثورة العلمية في السويد في القرن الــ18، وهذا كله جعلها في المرتبة الحادية عشرة بين الدول صاحبة أكبر عدد من براءات الاختراع المسجّلة رسمياً. كما يعتبر معدل دخل الفرد فيها الأعلى في العالم، ومع هذا لم تتردد يوماً في استقبال المهاجرين لها، ومنهم أسرة بوسنية فقيرة لجأت إليها عام 1992. كبرت «عيادة»، ابنة تلك الأسرة، التي كانت في الخامسة عندما هاجر والداها إلى السويد، ودرست القانون في واحدة من أفضل جامعاتها، وانخرطت في السياسة عضوة في حزب العمال الديموقراطي، وأصبحت، وهي لم تتجاوز الثالثة والعشرين، عمدة لمدينة صغيرة.
بسبب نشاطها التربوي والاجتماعي صنّفتها مجلة سويدية شهيرة من بين مئة امرأة الأكثر تميزاً وموهبة وامتلاكاً للطاقة. وقبل أن تبلغ عايدة الحاج علي الثامنة والعشرين من العمر، اختيرت وزيرة للتعليم في دولة مسيحية، ولم يلتفت أحد إلى حقيقة كونها بوسنية المولد، مسلمة الديانة، ومن أسرة فقيرة ومهاجرة، وليست من «مواخيذهم»، وربما لهذا السبب بقيت عزباء!
حدث كل ذلك ولم يرتفع أصوات سويدي أهبل واحد مندداً بتعيينها وزيرة تعليم. ولم يتباك غبي آخر على الخطر الذي سيشكله تعيينها على عادات وتقاليد السويد العريقة. ولم يحتج «مطفوق» ثالث على صغر سنها وفقرها وما «سيمون» لذلك من تأثير سلبي في الخصوصية السويدية، وعلى مستقبل «الناشئة»، وهي ترى أن من تولت حقيبة التربية والتعليم في دولة تعتبر الأرقى في العالم لا تمت لهم بصلة ثقافية أو لغوية أو دينية أو عرقية أو عنصرية!
هل نحن بحاجة إلى درس أفضل من السويد؟
ومتى سندرك أنه من الاستحالة العيش منعزلين عن العالم. وأنه من الغباء حصر الجنسية الكويتية على المتردية والنطيحة، فقط لأنهم مسلمون، وحرمان أفضل المواهب، التي صرفنا الملايين عليهم تعليماً وتربية، من الجنسية بحجة أنهم «غرباء» وسيؤثرون في «النسيج الاجتماعي»، ونحن أصلاً لم نصنع يوماً متراً واحداً من النسيج، حتى وإن كان من نوع «ململ» عواد سالم!
• ملاحظة
لا أعرف السيدة هند الصبيح وزيرة الشؤون، ولم يسبق أن التقيتها، ولكني أعلم أنها وزيرة مخلصة ونظيفة اليد واللسان، ولا تستحق إلا الإشادة بجهودها، للقضاء على الفساد في وزارتها، وليس استجوابها!