حكاية “شرط الاختصاص” وعدم تفوق غير المختصين، لا تسجل اسمي في كشوفات الموافقين عليها والمؤمنين بها، فأنا من “الضالين”، ليقيني بأن العكس هو الصحيح، إن كان الأمر يتعلق بالشؤون الحياتية العامة.
وانظر إلى أسماء الأدباء المشاهير، عرباً كانوا أم عجماً (العجم هنا ليسوا الإيرانيين، بل كل من هو غير عربي)، وستجد غالبيتهم لم يتخرجوا من كليات الأدب، ولا يعرفون دأين تقع. خذ العرب بدءاً من عباس العقاد، الذي ظهر في زمن انتشار كليات الأدب، ولا تتوقف عند أدباء اليمن والعراق والسعودية والمغرب وسورية ولبنان وغيرهم.
ثم انظر إلى شعراء العامية، تحديداً أفضل شعراء هذا العصر، في الجزيرة العربية، سعد بن جدلان الأكلبي، وضيدان بن قضعان، وسلطان بن وسام، وسالم بن جخير، وقبلهم محمد الخس، ومرشد البذال، وابن عون، وغيرهم، وستفاجَأ بأنهم لم يدرسوا بحور الشعر، ولا علم العروض، وقد يفغر أحدهم فاه إن حدثته عن “المنسرح” أو “المجتث” أو “المقتضب”، وقد يظن أن الفراهيدي وزير أو محافظ في إحدى محافظات شمال المملكة السعودية. لكن الواحد من هؤلاء سينظم قصيدة موزونة، لا زحاف فيها ولا علل، تجعلك تفغر فاهك دهشة وإعجاباً، وتتمايل طرباً.
وانظر، بعد ذلك، إلى الممثلين والممثلات، الكويتيين والعرب، واسأل نفسك، هل تخرج المرحوم خالد النفيسي، أو المبدعان سعد الفرج وعبدالحسين عبدالرضا، من الكليات المختصة في التمثيل والإخراج؟ وهل درس عادل إمام وأحمد حلمي وعادل أدهم، على سبيل المثال، السينما والمسرح؟
ولا تتوقف عند هؤلاء، إن لم تشعر بالتعب، بل انظر إلى المتميزين في الإعلام، سواء في التلفزيون أو في الصحافة، فستجد أنهم لم يدرسوا تخصصاتهم، وإنما انطلق كل منهم خلف موهبته، فقادته إلى موقع التشجيع والتصفيق والإعجاب.
هؤلاء ليسوا استثناءات قليلة العدد، بل هم الأكثرية. أتحدث عن المتميزين، بالطبع. وأقول ذلك لقناعتي الراسخة بأن التخصص، في الغالب، يقتل الموهبة ويوقف انطلاقتها.