عبدالعزيز سعود البابطين اسم ارتبط بواجهة الكويت الثقافية أمام العالم، ومن خلال مؤسسة البابطين الثقافية ومسيرتها الرائدة التي امتدت إلى ربع قرن من الزمان استطاع هذا الرجل الكريم تأسيس رافد أصيل للفكر العربي، وإحياء رونق اللغة العربية عبر الشعر والأدب وتخليد فطاحل لغة الضاد، واستمر العمل الدؤوب للأستاد عبدالعزيز البابطين لتدشين أحد أهم مراكز حوار الحضارات، حيث جمع ألوان الطيف من الملل والنحل ومن أتباع الفكر الإنساني والديني بمختلف مدارسه واجتهاداته، فاستحق هذه النجومية العربية والعالمية واحترام المراكز الثقافية والفكرية ومؤسسات العصف الذهني والأكاديميات العلمية في عموم العالم، وللرجل الفخر أن ينسب هذا النجاح إلى بلده الكويت ويجعل اسم وطنه واجهة أعماله وبوصلة إنجازاته.
تشرفت بحضور الدورة الخامسة عشرة لمركز البابطين لحوار الحضارات، التي عقدت خلال يومي الرابع والعشرين والخامس والعشرين من شهر أكتوبر الجاري في أعرق جامعة على وجه الأرض وهي جامعة أكسفورد ببريطانيا، وتحت شعار في غاية الأهمية هو “عالمنا واحد… والتحديات أمامنا مشتركة”، ليجسّد المشاركون في هذا الملتقى، والذين يمثلون العديد من دول العالم ومن مختلف المشارب الثقافية والفكرية، جملة من أهم وأخطر قضايا العصر كقضية اللاجئين والتطرف والإرهاب والتنمية البشرية ووسائل التواصل الإعلامي الحديثة وآفاق عصر الشباب وتحدياته، سواءً بتشخيص مكامن القلق والإخفاق لهذه الموضوعات الشائكة في الوطن العربي أو بربطها عبر المنظور العالمي المتشابك والمعقد في مسعى جاد لمفهوم المسؤولية الجماعية المشتركة للعالم قاطبة تجاه تبعات هذه القضايا سلباً كانت أم إيجاباً.
يبقى القول بأن هذا الجهد المتواصل ومن خلال عمل مؤسسي دؤوب وبسواعد وطنية كويتية في المتابعة والتنظيم وكرم الضيافة، يبذل من حر مال هذا الرجل، وهو الأمر الذي عجز حتى عن التفكير فيه العديد من الدول والحكومات التي تتربع على المليارات من ثروات وأموال أبناء شعوب المنطقة، وقد تراكمت فيها المعضلات وتفاقم حجم المشاكل لدرجة اليأس والإحباط الذي أدى إلى ظهور التطرف والإرهاب، وتحول العالم العربي إلى منبع لتصدير الأحقاد واستباحة دماء البشر وأعراضهم وممتلكاتهم وتشويه سمعة ديننا وثقافتنا الخالدة في الرقي والتسامح، وهذا بالتأكيد لن يثني البابطين وفريق عمله عن الاستمرار في هذا العطاء، إلا أن هذه الجهود المضنية والمساعي المخلصة في المقابل تستحق أن تجد طريقها نحو مؤسسات صناعة القرار وأصحابها في العالم العربي الذي أجزم بأن وضعه المرير ومؤشرات التخلف والتراجع وضياع الأمل التي تنخر في جنباته لن يكون هكذا لو أنه تم الأخذ ولو بجزء من تلك الأطروحات النيّرة والآمال المبنية على أسس علمية ومهنية صادقة ووفية!