أساس وجود الكويت كدولة يعود إلى موقعها البحري المميز، فلولاه لبقيت قطعة مهمَلة من الصحراء. وبالرغم من اعتماد الكويت تاريخياً، ولأكثر من قرنين، على البحر، كمورد رزق ومنفذ تجاري، فإن موانئها لم تحظ بالاهتمام الكافي، لا سيما في السنوات الثلاثين الأخيرة، فأغلبية من تولوا أمر موانئها لم يكونوا يوماً بقدر الطموح.
يعود تاريخ الموانئ إلى ما قبل ستين عاماً، عندما ورثت أعمال شركة «حمال باشي» التي استولت عليها الحكومة، وحوّلتها إلى دائرة الموانئ، وعيّنت المرحوم محمد حسين قبازرد مديراً لها، وجاسم العنجري مساعداً له، وكانت الدائرة برئاسة الشيخ خالد العبدالله السالم، وكان ذلك عام 1953.
وبالرغم من تاريخ الموانئ الطويل نسبياً وعراقتها المفترضة كمؤسسة حيوية، فإنها حلّت، أخيراً، في المستوى الأدنى بين موانئ الخليج الأخرى من حيث الأداء والكفاءة، ولكنها حافظت على مكانتها العريقة كمصدر إثراء للكثيرين من المتعاملين معها، الذين عرفوا كيف يستفيدون من وضعها الخرب، ومنهم ربما من لا يترك يوماً فرضاً دينياً من دون أن يؤديه «بكل خشوع»!
مؤسف أن يصل حال هذه المؤسسة، بعد أكثر من 60 عاماً، إلى هذا الوضع المخزي والمزري، خدمة ومنشآت وإدارة. فقد ورد في تقرير «ميد»، نقلاً عن دراسات وإحصاءات ومقارنات لمؤتمر الأمم المتحدة الخاص بالتجارة والتنمية والمنتدى الاقتصادي العالمي، أن نوعية البنية التحتية لموانئ الإمارات هي الأكثر إثارة للإعجاب، حيث بلغت المرتبة الثالثة عالمياً بين 144 بلداً في تقرير التنافسية العالمية لجودة موانئها. كما حصلت على مقياس نقاط يمتد من 1 إلى 7 (من الأسوأ إلى الأفضل)، حيث سجّلت الإمارات 6.5 نقاط، وهذا وسّع من نطاق ريادتها في المنطقة. ولفتت «ميد» إلى أن معظم دول الخليج الأخرى، بما في ذلك البحرين وقطر وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية، سجّلت أداء جيداً نسبياً، ووجدت ضمن أفضل 40 بلداً في التصنيف العالمي. بينما تراجعت الكويت من مستوى 4.4 نقاط في عام 2010 إلى 3.9 نقاط عام 2014، لتسجل بذلك أداء أقل من الدول الخليجية الأخرى.
أعتقد، ومن واقع تجاربي مع الموانئ في الكويت، أن خرابها يعود إلى إداراتها العليا، وفساد أنظمتها، وخراب ذمم بعض كبار العاملين فيها. والغريب أنه من شبه الاستحالة تقريباً أن تجد، ولو شخصاً واحداً، ممن لهم علاقة بالموانئ، من تاجر أو مستورد أو مستأجر أو مخلص بضائع أو ناقل، راضياً عن أداء الموانئ، وهذا أمر لا يثير الاستغراب فقط، بل الحزن على ما آلت إليه أوضاع أول موانئ المنطقة وأفضلها لتصبح اليوم، بسبب سوء الإدارة، الأسوأ بينها، وربما في العالم!