نغادر إلى الصومال في مهمة إنسانية متعددة الأغراض.
الغرض الأول البدء في برنامج إغاثي لدعم اللاجئين اليمنيين في إقليم بونتلاند. خلال عملي الإنساني في الصومال لأكثر من 20 عاماً، كان الصوماليون هم الذين يلجأون لليمن، حتى بلغوا المليون إنسان تقريباً.
كنت أحياناً أقف يائساً لرؤية مئات المحبطين على شواطئ “بوصاصو” في رحلتهم الاعتيادية للجحيم عبر البحر متجهين لليمن، نحاول منعهم دون جدوى، وكان يموت غرقاً حوالي ٣٠٠ شخص شهرياً في بعض الأوقات.
فما نسمعه عن غرق اللاجئين في البحار، ليس إلا جزءاً من فيلم صومالي طويل. أما الآن فقد انعكست الصورة، وجاء موسم الهروب للصومال. وهكذا تقدمنا كمركز السلام للدراسات بمبادرة لجمعية الهلال الأحمر الكويتية، الرائدة في العمل الإنساني، والتي تجاوبت مشكورة لدعم المبادرة الإغاثية لمساعدة اللاجئين اليمنيين، وغيرهم من الصوماليين النازحين. بالطبع هي نقطة في بحر انتهاكات الإنسانية المتلاطم، ولكن إن كان بإمكاننا توفير تلك النقطة، فلم لا؟
الغرض الثاني للمهمة التباحث مع مسؤولي ولاية بونتلاند، لأنها من الأقاليم الصومالية المستقرة، وعلى رأسهم الرئيس د. عبدالولي غاس، حول ما يمكن عمله في دعم الاستقرار وبالذات في المجالين التعليمي والتنموي، حيث نقوم في مركز السلام للدراسات ومنظمة التنمية والتعليم بتدشين مشروع دعم الطالب الصومالي، وتوفير منح دراسية في الجامعات الصومالية للطلبة والطالبات الأيتام. وهو مشروع مستمر، إضافة إلى مشاريع تعليمية أخرى.
الغرض الثالث هو زيارة العاصمة مقديشو، والتباحث مع رئيس جمهورية الصومال الفدرالية ورئيس البرلمان ورئيس الوزراء ووزيرة التربية بشأن المشروع الرائد في عقد مؤتمر مانحين لدعم التعليم في الصومال، لأن التعليم يمثل المدخل الأهم نحو دعم الاستقرار.
وكنا قد بدأنا في التحضير له من خلال المنظمتين العربية (أليكسو) والإسلامية (أسيسكو) للتربية والثقافة والعلوم، وموافقة الكويت على استضافة المؤتمر، وهو أمر يحسب للكويت.
ما نشهده الآن من تردّ في المنطقة وتفكك الدول، كان أحد أسبابه هو التفرج على “صومالي سيندروم” ينمو ويتضخم، المتمثل بالحالة المرضية التي تترك فيها البلدان لتدمر نفسها وتتآكل من الداخل، حتى يأتي زمن فيصبح قابلاً للتصدير.
وهكذا تحولت “متلازمة الصومال” تتكرر وتفرخ، تطرفاً وتمزيقاً في البلدان التي كانت تظن نفسها محصنة، بل كانت تستهزئ بتردي الحال بالصومال.
والآن بلغ واقع الحال المتردي أن صار لدينا قرابة ١٤ مليون طفل خارج المدرسة، بسبب الحروب في ٥ دول عربية فقط، وبالمناسبة ليس من بينها الصومال.