لو نظرنا إلى آلية صيانة المباني الحكومية في معظم دول أوروبا المتقدمة ومنها بريطانيا، فسنجدها نموذجا رائعا يمكن الاستفادة منه بكل سهولة، خاصة انهم توصلوا إلى أن خلل المباني لديهم غالبا ما يكون ناجما عن أسباب مناخية وعوامل بيئية طبيعية.
وتوصلوا لذلك كونهم اهتموا بدراسة أسباب الخلل الذي قد يقع في المباني، الأمر الذي جعلهم يختاروا نوعية خاصة للصيانة الوقائية لأي خلل متوقع حدوثه ولو بعد سنوات طويلة من تاريخ إنشاء المباني، أي إن آلية الصيانة لديهم تبدأ منذ توقيع عقد إنشاء المباني وينفذ وفق شروط أساسية مع شركات الصيانة المتميزة وتكون تحت إشراف ورقابة جهاز خاص بشؤون الصيانة ويكون متخصصا.
بما أن توقع الخلل في جميع مباني الدوائر الحكومية أمر مهم لديهم، فالأهم هو معرفة الأسباب الناتجة عنها ومن ثم وضع ميزانية مناسبة ومدروسة لإصلاح أي خلل، وهي طريقة جيدة لاتخاذ التدابير الوقائية لتلافي حدوث أي خلل مضاعف قد إصلاحه يكلف كثيرا من المال وهذا إجراء احترازي، والمهم لديهم هو وجود إشراف على الصيانة الدورية ومن ثم تقيمها على مدار العام وأي خلل يظهر قبل نهاية العام يفرض على شركات الصيانة عقوبة تصل إلى غرامات مالية مضاعفة فضلا عن المساءلة القانونية، وهذا ما يجعل شركات الصيانة ملتزمة في أعمالها في صيانة المباني الحكومية طالما هناك شروط جزائية قاسية في حال لم تجري الصيانة حسب الاتفاق المبرم، وأي شبهة تحوم حول مسؤول حكومي في جلب شركات صيانة بغرض الاستفادة الشخصية ستطوله المساءلة القضائية وسيفصل من عمله ناهيك عن التشهير به في وسائل الإعلام.
ولو تطرقنا إلى إمارة دبي تعتبر أيضا من النماذج الرائعة في عمل الصيانة، أي إن في دبي نظام خاص في متابعة الصيانة من خلال ربط المعلومات بين الدوائر الحكومية وبين شركات الصيانة المخولة، هذا النظام يتيح تسجيل كل البيانات التاريخية الخاصة بالأعطال وأسبابها وكيفية إصلاحها وهذا يمنح دعما رئيسيا لإصلاح الخلل المتكرر بسرعة قياسية. وكل مراحل الصيانة تعرض على شاشات خدماتية وفق رقابة من كبار المسؤولين في الإمارة وبميزانية تتناسب مع حجم الصيانة وغير مبالغ فيها.
كل هذا السرد المختصر عن تجارب بعض الدول وكيفية إدارة صيانة المباني الحكومية لديهم، يجعلني أطرح تساؤلا مهما: رغم أن ميزانية الدوائر الحكومية لدينا في الكويت ضخمة جدا في كل وزارات ومؤسسات الدولة والأهم أن اذكر وزارة التربية على اعتبار أن مع كل بداية عام دراسي جديد نجد طلبتنا يعانون من عطل في التكييف ودورات المياه وتصبح قضيتهم قضية الموسم، هنا أود أن أفهم أين تذهب تلك الميزانية الخاصة بالصيانة وها نحن نرى المباني متهالكة وبعضها غير صالح أصلا للعمل بداخلها؟!
بما أن ميزانية الصيانة في وزارات ومؤسسات الدولة لم تحقق نتائجها، فلا بد من إيجاد حلول أخرى تكمن في إنشاء جهاز مختص بعمل الصيانة لكل الدوائر الحكومية وتكون لديه ميزانية خاصة للعمل بدلا من منح ميزانية الصيانة للوزارات والمؤسسات التي فشلت في إدارة الصيانة ولم تحقق الهدف الرئيسي من تلك الميزانيات الضخمة، نتمنى تبني تلك الفكرة من اجل صيانة متميزة والحفاظ على المال العام.