أليس من الأهمية بمكان أن نتساءل: «ما الذي يجعل من ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي (ع) خالدة متجددة على رغم مضي أكثر من 1370 عاماً؟ وكيف يمكن توظيف مبادئ النهضة الحسينية بمنطلقاتها القرآنية والمحمدية الرسالية في حياة أبناء الأمة الإسلامية في عصرنا الحاضر أو ما سيليه من العصور؟، ولماذا غيبت هذه الواقعة المفصلية في تاريخ الأمة عن عقول ووجدان شريحة كبيرة من بني الإسلام، وما الهدف من هذا التغييب؟».
ثمة سلسلة متفرّعة من التساؤلات قد تقصر أو تطول لدى الكثير من الباحثين عن الحقيقة؛ وبالذات أولئك الذين يستنكرون الفعل السلبي على مدى عقود من الزمن والمتمثل في تحويل الذكرى إلى موسم تناحر وخلافات مذهبيَّة وتاريخيّة، ترتكز في غالبها على تشخيص خاطئ لفهم واستلهام وترجمة المبادئ الحسينية إلى سلوك يقارع ممارسات استهداف الدين الإسلامي، وتبعد كثيراً عن جوهر كربلاء المدافع عن مُثُل الدين وقيمه من الإصلاح ومواجهة الظلم والمنكر، ونشر ثقافة العدل والمساواة والأخوة والتسامح، وقائمة مخلدة من القيم التي تصلح لكل البشرية على اختلاف حضاراتها ودياناتها.
ولعل محور التساؤلات المطروحة شغلت – وفق متابعاتي الشخصية المتواضعة على مدى السنوات العشر الماضية – نخبة بارزة من الدعاة والمثقفين والمؤرخين منهم الشيخ محمد العوضي والباحث عدنان إبراهيم والداعية الشيخ علي زين العابدين الجفري وغيرهم ممن تناولوا بالبحث والدراسة مفاهيم النهضة الحسينية باعتبارها امتداداً متصلاً ومؤسساً على رسالة خاتم الرسل نبينا محمد (ص)، الذي قال في ريحانتيه الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا… فهما سبطاه وما أدراك؛ ولهذا فإن اتصال نهضة الحسين بالإصلاح في أمة جده يدلل عليها قول المصطفى (ص) «حسين مني وأنا من حسين».
إن المرتكز الذي تأسست عليه حركة أولئك الدعاة والعلماء والباحثين، الذين بحثوا بشكل متعمق في القضية الحسينية، هو مجابهة العقليات المشوهة لعظمة تلك النهضة التي كانت، ولاتزال، خطًّا محاميًا عن الدين الإسلامي من أعدائه والمتربصين به من جهة، وبناء وعي جديد في عقول من أبعدوا قسرا عن فهم مبادئ الحسين (ع) فهما مرتبطا بالإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر… فالعقليات المشوهة عمدت، على مر الزمان وحتى اليوم في الكتب والفضائيات والمحاضرات والهوس الطائفي البغيض، للانشغال بنشر التناحر والبغضاء ونصب العداء لمبادئ الإسلام التي صانتها النهضة الحسينية العظيمة.
الأمة اليوم تعيش صراعاً دمويّاً وحشيّاً وانهياراً للقيم الحقة بين الكثير من أبنائها؛ ومن كربلاء يمكن استحضار المثال وإسقاطه على واقع اليوم… وفي الواقع؛ نحن في حاجة إلى تأمل شعار عاشوراء البحرين الذي دشنته جمعية التوعية الإسلامية لهذا العام: «عاشوراء… للإسلام… للإصلاح… للوحدة»؛ فثلاثية هذا الشعار هي الجامع الأشمل والأصدق لترجمة مبادئ كربلاء الحسين (ع) كمظلة إسلامية جامعة لكل أبناء الأمة بكل طوائفهم… لتنهض من انهيارها الفظيع.